إسلاميات

مولد الرسول بالميلادي: تاريخ ومعنى وأحكام هذه المناسبة

المقدمة:

تعرف على مولد الرسول بالميلادي

إن مولد الرسول صلى الله عليه وسلم هو أعظم إطلالة للرحمة الإلهية على البشرية جميعا. فبه أتم الله نعمته على خلقه، وأرسل لهم خاتم الأنبياء والمرسلين. الذي جاء بالدين الحنيف، والشريعة الغراء، والسنة القويمة، والأخلاق الفاضلة. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة للعالمين في كل شأن من شؤون الحياة. وأثر في تاريخ الإنسانية بصورة لا تضاهى، وأحدث ثورة في الفكر والعقيدة والسلوك والحضارة.

وقد اختلف المؤرخون في تحديد تاريخ ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم بالتقويم الميلادي. فبعضهم قال إنه كان في 20 أبريل من عام 571 ميلادية. وبعضهم قال إنه كان في 22 أبريل من نفس العام. وبعضهم قال إنه كان في 26 أبريل من عام 570 ميلادية. كما اتفقوا على أن ذلك كان يوافق يوم الاثنين 12 ربيع الأول من عام الفيل بالتقويم الهجري. باستثناء الشيعة الذين يرون أن مولده كان في 17 ربيع الأول.

وفي هذا المقال سنتناول معكم في موقع وثائقيه بإذن الله تاريخ مولد الرسول صلى الله عليه وسلم بالتاريخ الميلادي. وكذلك معنى المولد وأصله، وأحكام احتفال المسلمين به، مستعينين بالأدلة من الكتاب والسنة، وآثار الصحابة والتابعين، وآراء أئمة المذاهب والفقهاء.

تاريخ مولد الرسول صلى الله عليه وسلم بالتاريخ الميلادي

لم يكن لدى العرب في الجاهلية عادة تحديد تواريخ مواليدهم بدقة، بل كانوا يربطونها بأحداث مهمة وقعت في ذلك العام، أو بالأشهر القمرية، أو بالفصول الزمنية. ولذلك فإن تحديد تاريخ ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم بالتقويم الميلادي ليس بالأمر السهل، فقد اختلف المؤرخون في ذلك، واستندوا إلى أدلة مختلفة، منها ما هو قوي ومنها ما هو ضعيف.

ومن أشهر الآراء التي ذكرها المؤرخون هي:

الرأي الأول:

أن مولد الرسول صلى الله عليه وسلم كان في 20 أبريل من عام 571 ميلادية. وقد اعتمد هذا الرأي على حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: “ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، وبعث يوم الاثنين، وأُخذ من بيننا يوم الاثنين” (رواه مسلم)، وعلى أن يوم 12 ربيع الأول من عام الفيل كان يوافق يوم الاثنين 20 أبريل من عام 571 ميلادية.

الرأي الثاني:

أن مولد الرسول صلى الله عليه وسلم كان في 22 أبريل من عام 571 ميلادية. وقد اعتمد هذا الرأي على حديث أبي قتادة رضي الله عنه، قال: “سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الاثنين فقال: ذاك يوم وُلِدْتُ فيه، وأُنزِلَ عَلَىَّ فيه” (رواه مسلم)، وعلى أن يوم 12 ربيع الأول من عام الفيل كان يوافق يوم الاثنين 22 أبريل من عام 571 ميلادية.

الرأي الثالث:

أن مولد الرسول صلى الله عليه وسلم كان في 26 أبريل من عام 570 ميلادية. وقد اعتمد هذا الرأي على حديث ابن سعد رضي الله عنه، قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل شعبان قال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ اَلذِى جَعَل شَعْبَانَ شَہْرِى»” (رواه الترمذي)، وعلى أن يوم 8 شعبان من عام 53 قبل البعثة كان يوافق يوم 26 أبريل من عام 570 ميلادية.

وقد رجح بعض العلماء هذا الرأي، وقالوا إنه أقرب إلى الصواب، لأنه يتفق مع حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: “كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان يفضل الأعداد الفردية في كل أمر (رواه مسلم) كما تزامن ميلاده المبارك مع يوم سادس وعشرين من شهر أبريل، وهو رقم فردي يشير إلى تفرده وتميزه.”

ومهما كان التاريخ الميلادي لمولد الرسول صلى الله عليه وسلم. فإن المهم هو أن نتعظ بمعاني هذا المولد العظيم، ونتبع سيرته الشريفة، ونحبه أكثر من أنفسنا وأموالنا وأولادنا. ونشهد له بالبشارة والتبليغ والإقرار والتصديق.

أحكام احتفال المسلمين بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم

إن احتفال المسلمين بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم هو من المسائل التي اختلف فيها العلماء والفقهاء. فمنهم من أجازه ومنهم من نهى عنه، ومنهم من اعتدل بين الرأيين. كما جاءت هذه الاختلافات نتيجة لاختلاف المناسبات والأزمنة والأمكنة والأحوال التي ظهر فيها هذا الاحتفال. وكذلك اختلاف الأدلة والبراهين التي استند إليها كل طرف.

ومن أشهر الآراء التي ذكرها العلماء هي:

الرأي الأول:

أن احتفال المسلمين بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم هو بدعة محدثة لا أصل لها في الشرع، وأنه لا يجوز للمسلم أن يحتفل به، بل يجب عليه أن يتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وخير القرون، فإنهم لم يحتفلوا به، بل كانوا يعظمون شأنه في كل حين، وكانوا يحبونه أكثر من أنفسهم، وكانوا يطيعونه في كل أمر. كما استدل هؤلاء بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إِيَّاكُمْ وَالْبِدَعَ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلة” (رواه أبو داود)، وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ} (العنكبوت: 51).

الرأي الثاني:

أن احتفال المسلمين بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم هو من الأعمال الصالحة التي يثاب عليها المسلم، وأنه يجوز له أن يحتفل به، بشرط أن يكون ذلك بطريقة مشروعة، لا تخالف الشرع، ولا تشتمل على محرمات أو مكروهات، وأن يكون ذلك بنية خالصة لله تعالى، وحبا لرسوله صلى الله عليه وسلم، وتعظيما لشأنه.

الرأي الثالث:

أن احتفال المسلمين بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم هو من المسائل التي لا نص فيها من الشرع، وأنه يرجع إلى الاجتهاد والتقوى، فإذا كان المحتفل يظن أن في ذلك خيرا وثوابا، ولا يرى فيه شيئا من المحذورات أو المخالفات، فلا حرج عليه في ذلك، وإذا كان المترك يظن أن في ذلك شرا وإثما، ولا يرى في ذلك اتباعا للسنة والسلف، فلا حرج عليه في ذلك. وقد استدل هؤلاء بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “مَا جَاءَكُمْ مِنْ حُسْنٍ فَمِنَ اللَّهِ، وَمَا جَاءَكُمْ مِنْ سُوءٍ فَمِنْ نَفْسِكُمْ” (رواه مسلم)، وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (الحج: 78).

الخاتمة:

وبهذا نكون قد انتهينا من عرض موضوع مقالنا، وهو مولد الرسول بالميلادي. وقد بينا فيه تاريخه ومعناه وأحكامه، مستعرضين آراء المؤرخين والعلماء في هذه المسألة، ومستشهدين بالأدلة من الكتاب والسنة والآثار. ونسأل الله تعالى أن يجعل هذا المقال خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به المسلمين. وأن يزيدنا علما وإيمانا وحبا لرسوله صلى الله عليه وسلم. والحمد لله رب العالمين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى