كلمة عن مولد الرسول الأعظم: كيف نحيي ذكراه بالمحبة والإتباع

مقدمة
إقرأ كلمة عن مولد الرسول الأعظم
إن من أعظم الأيام في التاريخ الإسلامي والإنساني هو يوم مولد خاتم الأنبياء والمرسلين، سيد الخلق أجمعين، نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي بعثه الله رحمة للعالمين، وهاديًا للناس إلى طريق الحق والخير والسلام.
ففي يوم مولده الشريف، انشقت السماء بنوره، وانفتحت الأرض ببركته، وزفت الملائكة بشراه، واستبشرت الأنام به. فهو الذي جاء بالدين المحكم، والشريعة المطهرة، والكتاب المبين، والسنة المتقية. فهو الذي نزل عليه القرآن الكريم، وبعث به إلى جميع الخلق، ليخرجهم من الظلمات إلى النور.
ففي هذا المقال، سنتحدث معكم في موقع وثائقيه في كلمة مولد الرسول الأعظم -صلى الله عليه وسلم- من حيث زمانه ومكانه وأحواله، كما سنذكر بعض فضائله وآثاره في تاريخ الإسلام والإنسانية. كما سنبين حكم الاحتفال بمولد الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
زمان مولده -صلى الله عليه وسلم-
لا يوجد اتفاق بين علماء التاريخ على تحديد يوم ميلاد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بدقة، لكن أغلبهم يرون أنه كان في شهر ربيع الأول من سنة فيل في التقويم الإسلامي، والتي توافق سنة 570 ميلادية في التقويم الميلادي. كما اختار بعض المؤرخون يوم 12 ربيع الأول كتاريخ للاحتفال بهذا المولد. بالرغم من أن هذا التاريخ لا يستند إلى دليل قطعي.
وقد كان يوم مولده -صلى الله عليه وسلم- يوافق يوم اثنين ، كما روى عن نفسه أنه قال: “ولِدْتُ يَوْمَ اثْـنَيْنِ، وَأُنْزِلَ عَلَيَّ يَوْمَ اثْـنَيْنِ، وَبُعِثْتُ يَوْمَ اثْـنَيْنِ، وَأُخِرِجْتُ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ اثْـنَيْنِ، وَدَخَلْتُ الْمَدِينةَ يَوْمَ اثْـنَيْنِ، وَأُخِرِجْتُ مِنْها يَوْمَ اثْـنَيْنِ، وَفِيهِ تُوُفِّيتُ” .
مكان مولده -صلى الله عليه وسلم-
ولد الرسول -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة، بلدة الحرم الشريف، التي تعد أقدس بقاع الأرض، وأول بيت وضع للناس. وقد كان مولده في بيت جده عبد المطلب ، في حي بني هاشم، قرب الحجر الأسود. كما كان هذا البيت معروفًا باسم دار النضرة ، لأنه كان يطل على الكعبة المشرفة.
وقد كان مولده -صلى الله عليه وسلم- في زمن شديد الجفاف والجوع ، فقد كانت مكة تعاني من قحط في المطر والزروع والثمار. كما كان ذلك من بشائر نبوته -صلى الله عليه وسلم-، فإنه كما قال ابن كثير: “إذا أراد الله تعالى أن يبعث نبيًا أو رسولًا فإنه يقحط السماء عن المطر، حتى يشتد الجوع على الخلق، ثم يبعثه فيستجاب له في نزول المطر” .
أحوال مولده -صلى الله عليه وسلم-
ولد الرسول -صلى الله عليه وسلم- يتيمًا ، فقد توفي أبوه عبد الله قبل أن يولد ، بعد أن رجع من رحلة تجارية إلى بلاد الشام. كما كان والده من أشرف قريش وأحسنهم خلقًا. وكانت أمه آمنة بنت وهب من بني زهرة، فخذ قريش. وكانت من أشرف نساء قريش في الأنساب والمال والفضيلة.
وقد حدثت في ليلة مولده -صلى الله عليه وسلم- آيات عظيمة وخوارق للعادة ، تشير إلى شأنه الكبير وفضيلته الجليلة. فقد روى ابن إسحاق أن آمنة قالت: “فلما حملت به رأيت في منامي رجلاً قائلاً لي: «أنت حاملة بسيد هذه الأمة. فإذا ولدته فقولي: أعوذ بالواحد من شر كل حاسد، وسميه محمدًا». ولما خرج من بطن أمه، تلألأ نوره الغامر، وسطع على قصور الشام.
ومن آيات مولده -صلى الله عليه وسلم- أنه انشقت السماء في تلك الليلة، ونزل جبريل -عليه السلام- مع سبعين ألف ملك، فشهدوا مولده وصلى عليه. وأنه انطفأ نار المجوس التي كانت تحرق منذ ألف سنة، وانكسرت أصنام الكفار في مكة، وانفجر بحيرة سوة في فارس، وانهار قصر كسرى.
ومن آيات مولده -صلى الله عليه وسلم- أنه خرج من بطن أمه مختونًا ومطهرًا، وأنه رفع رأسه إلى السماء، وأخذ يشهد بالله وبرسالته. وأن على رقبته خاتم النبوة، وعلى صدره طابع الملك.
فضائل مولده -صلى الله عليه وسلم-
ولد الرسول -صلى الله عليه وسلم- في شرف كبير. فإنه من ذرية إبراهيم -عليه السلام-، الخليل الحنيف، ومن نسب إسماعيل -عليه السلام-، الذبيح المبرور. وكان من أشرف قبائل عربية، هي قريش، التي تحمل راية الإسلام. كما كان من أطيب فخذ قريش، هو بنو هاشم، الذين يحملون لواء النبوة.
ولد الرسول -صلى الله عليه وسلم- في شرف أكبر، فإنه خاتم الأنبياء والمرسلين، سيد المرسلين، إمام المتقين. فإنه بعث ليرحم العالمين، ويرشد الضالين، ويرفع راية التوحيد. فإنه جاء بالدين المحكم، والشرعة المطهرة، والقرآن المجيد. فإن لديه أحسن خَلْقاً ، وأجَلُّ خُلُقًا ، وأعظم معجزة ، وأكمل شريعة ، وأنبل رسالة.
ولد الرسول -صلى الله عليه وسلم- في شرف أعظم، فإنه محبوب الله ومصطفاه، وخليله وحبيبه. فإن الله تعالى اصطفاه من بين خلقه، وأحبه أكثر من خلقه، وأكرمه على خلقه. فإن الله تعالى أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به من السماء الدنيا إلى السماء العلا، ثم أدخله جنته وناره، ثم أظهر له كبرياء جلاله، ثم أوحى إليه ما أوحى.
آثار مولده -صلى الله عليه وسلم-
ولد الرسول -صلى الله عليه وسلم- في عصر مظلم، كان فيه الجاهلية سائدة، والشرك متفشيًا، والظلم مستبدًا. كان فيه الناس يعبدون الأصنام والأوثان، ويقتلون الأبرياء والأطفال، ويظلمون الضعفاء والنساء. كان فيه الحق مغيبًا، والباطل مغالبًا، والضلالة متوارثة.
فجاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالإسلام نورًا وبيانًا، فأضاء للناس طريق الحق والخير. كما جاء بالتوحيد دعوة وشعارًا، فأخرج الناس من عبادة الخلق إلى عبادة الخالق. فجاء بالقرآن هدى وفرقانًا، فشرح للناس ما ينفعهم في دينهم ودنياهم. فجاء بالسنة قدوة وأسوةً، فعلم الناس كيف يعبدون ربهم بطاعته، وكيف يتعاملون مع خلقه بأخلاقه.
فكانت آثار مولده -صلى الله عليه وسلم- عظيمة في تاريخ الإسلام والإنسانية. فإنه بفضل رسالته انتشر الإسلام في شتى بقاع الأرض، وأصبح دينًا لكافة الخلق. فبفضل شريعته قامت حضارة إسلامية رائدة في كافة المجالات: من عبادة وعقيدة، إلى سياسة وحكم، إلى علم وفكر، إلى فن وثقافة. فإنه بفضل أخلاقه صار المسلمون خير أمَّة أُمرت بالمعروف والنهي عن المنكر، وأصبحوا شهودًا على الناس بالحق والعدل.
حكم الاحتفال بالمولد النبوي
قد اختلف العلماء في حكم الاحتفال بمولد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين مانع وجائز ومستحب. والأقوال في هذا الموضوع كثيرة ومتنوعة، ولكن لا يخفى أنّ الأصل في العبادات هو التوقف عند ما شرعه الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-. وأنّ كل ما أحدث في الدين من غير دليل شرعي فهو بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. فلا يجوز للمسلم أن يتبع هوى نفسه أو عادات قومه أو رأي أحد، بل يجب عليه أن يتبع ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من القرآن والسنة.
فإذًا فلا يجوز لأحد أن يزعم أنّ الاحتفال بمولد الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو من تعظيم شأنه وتقدير فضائله. فإنّ ذلك لا يصح إلا بالطريقة التي شرَّعها الشارع -جلا جلاله-، وأخبر بها رسوله -صلى الله عليه وسلم-، واتبعها صحابته -رضي الله عنهم-. كما لا يجوز لأحد أن يبتدع في ذلك شيئًا من عنده. فإنّ تعظيم شأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يكون إلا باتباع سيرته وسنته. بالإضافة إلى طاعته فيما أمر به وانتهى عمَّا نهى عنه، والصلاة عليه كثيرًا.
ولا يجوز أن يقول أحد أنّ الاحتفال بمولد الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو من تجديد ذكره وتذكير به. فإنّ ذلك لا يقتصر على يوم معين، بل يجب على المسلم أن يذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كل حين، وأن يقرأ سيرته وأحاديثه، وأن يتعلم منه ما يقربه إلى الله ويرضيه. فإنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو أفضل قدوة للمؤمنين.
خاتمة
في هذا المقال، تحدثت عن كلمة عن مولد الرسول الأعظم -صلى الله عليه وسلم-، وبينت زمانه ومكانه وأحواله، وذكرت بعض فضائله وآثاره في تاريخ الإسلام والإنسانية. وفي ختام هذا المقال، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المحبين لرسوله -صلى الله عليه وسلم-، والمتبعين لسنته، والداعين إلى دينه، والشاكرين لنعمته، وأن يجعل هذه الكلمة عن مولد الرسول الأعظم في ميزان حسناتنا. ونسأله أن يبارك في مولده الشريف، وأن يجزيه خير الجزاء على ما قدّم لأمته من هدى ورحمة. ونسأله أن يجمعنا به في جنات الفردوس، مع الصديقين والشهداء والصالحين. اللهم آمين.
المصادر والمراجع
- : ابن كثير، البداية والنهاية، دار الفكر، بيروت، 1988، ج 2، ص 249.
- : ابن هشام، السيرة النبوية، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1990، ج 1، ص 168.
- : محمد حسين هيكل، حياة محمد -صلى الله عليه وسلم-، دار الشروق، القاهرة، 2004، ص 29.
- : ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، دار طيبة، الرياض، 1987، ج 8، ص 333.
- : ابن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، دار المعرفة، بيروت، 1986، ج 6، ص 292.