قصة قارون مختصرة: دروس وعبر من سورة القصص

مقدمة
تعرف على قصة قارون مختصرة
قارون هو رجل من بني إسرائيل، كان ابن عم نبي الله موسى عليه السلام، وكان وزيرا لشؤون العبرانيين لدى فرعون. آتاه الله أموالا عظيمة، فاستكبر وتجبر على قومه، وظن أنه حصل على هذا المال بقدرته وعلمه، ونسي أن الله هو المنعم والمتصرف في كل شيء. فأراد الله أن يعظ به وبماله، فخسف به وبداره الأرض، وأصبح عبرة لمن يتعظ. وقد ذكر الله قصته في سورة القصص بتفصيل، ليستخرج المؤمنون منها الدروس والعبر.
في هذا المقال سنحاول معكم في موقع وثائقيه التعرف على قصة قارون مختصرة، وكنوزه وأمواله، وتجبره واستكباره، وهلاكه، وموقف قومه من هذا الهلاك، وبعض الدروس والعبر من قصتة.
كنوز قارون وأمواله
آتى الله سبحانه وتعالى قارون الذي كان من قوم موسى من المال ما لا يحصى ولا يعد، حتى إن مفاتيح خزائنه كانت تحمل بالعصبة، والعصبة: جماعة من الرجال، أي لا يستطيع رجل واحد حملها”. كما ذكر بعض المفسرين أن قارون كان يخزن ماله في حجرات من حديد، وأن لكل حجرة أربعة مفاتيح، تحتاج إلى ستة عشر رجلا لحملها، قال تعالى: (وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعصْبَةِ أُولِي الْقوَّةِ).
تجبر قارون واستكباره
لم يكن قارون حريصا على طاعة الله في ماله، بل استخدمه ليتجبر على الناس ويبطش بهم، ولكن لم يذكر القرآن شكل هذا البطش والبغي، وتركه مبهما. وذكرت الآيات بأن المعتدلين من قومه حاولوا ثنيه عن الطريق التي يسلكها، وبأنه لابد من اتباع طريق الاعتدال، والقصد في التصرف بالمال، وبأن بعض الفرح قد يُنسي صاحبه مصدر المال ومنعم النعم عليه. فقالوا له: (لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يحِبُّ الْفَرِحِينَ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يحِبُّ الْمفْسِدِينَ). يقول ابن عطية في تفسير هذه الآية: “أي لا تفرح بمالك ولا تظهر به على قومك، فإن ذلك من سمات المتكبرين، والله لا يحب من يفرح بما أعطاه من نعمة، وينسى شكرها، ويستعملها في معصيته”.
هلاك قارون
إلا أن غروره بماله ونفسه صدّه عن اتباع نصائحهم، ورد عليهم كما قال الله: (قَالَ إِنَّمَا أوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي). أي زعم أنه حصل على هذا المال بفضل علمه وحيلته، وأنه لا شأن لله في ذلك. ونسي أن الله هو الذي وهبه هذا المال، وله القدرة على سلبه منه، وإذاقته أصناف العذاب، فلو كان المال سببًا للبقاء والظفر، لما هلك من هلك من المتجبرين المتسلطين. ثم قال: (ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون). أي لا يستثنى أحد من المجرمين بعذاب الله، ولا يجادلون في ذلك.
ثم بيّن الله كيف كان هلاك قارون، فقال: (فخرج على قومه في زينته). أي خرج متبخترًا متفاخرًا بزينته وثيابه وخيله وجواريه. فقال بعض السفهاء من قومه: (ياليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم). أي تمنوا مثل مال قارون، وظنوا أن ذلك حظًا حسنًا. وقال العارفون بالحق من قومه: (ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحًا). أي تبًّا لكم، كيف تتمنون مثل مال قارون، وتنسون ثواب الله الذي هو خير لمن آمن بالله ورسوله، وعمل صالحًا يرضيه. ثم قالوا: (ولا تنسوا نصيبكم من الدنيا) . أي لا تتركوا حقوقكم من الدنيا، ولا تحرموا أنفسكم من ما أحل الله لكم من الزينة والطيبات، ولكن اجعلوا ذلك في ميزان الشرع، ولا تتجاوزوا حدود الله.
فبينما هم يتحدثون بهذه الأحاديث، جاء أمر الله بخسف قارون وبداره الأرض. فقال الله: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ) . أي فجأة انشقت الأرض بأمر من الله، وابتلعت قارون وبداره وماله، فلم يجد من ينجيه أو يثأر له. كما ذكر بعض المفسرين أن خسف قارون كان في ساحة عامة. حيث كان يعرض زينته على الناس، وأن المؤمنين سمعوا صراخه وصوت خروج نار من فمه .
موقف قوم قارون من هلاكه
فلما رأى قوم قارون ما أصابه من عذاب الله، تغير حالهم، فقال الذين تمنوا مثل مال قارون: (يَا وَيْلَنَا إِنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ يَا وَيْلَنَا إِنَّهُ لَا يفْلِحُ الْكَافِرُون) . أي تبًّا لنا، إذ نحن ظلمنا أرواحنا بتمني مثل مال قارون، وإذ نحن نشكر الله على أن عافانا مما ابتلاه به، وإذ نحن نعلم أن الله هو المالك المطلق لكل شيء، يبسط الرزق لمن يشاء، ويقدر على من يشاء. وإذ نحن نستشعر أنه لا يفلح الكافرين، الذين ينكرون نعم الله عليهم، ويستعملونها في معصيته.
وقال الذين آمنوا وعملوا الصالحات: (الَّذِينَ يؤْتَوْنَ الْكِتَابَ بِيَمِينِهِمْ فَيَقُولُونَ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي ملَاقٍ حِسَابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قطُوفُهَا دَانِيَةٌ كلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَة) . أي قالوا: نحن نرجو أن نكون من الذين يؤتون كتابهم بأيمانهم يوم القيامة، فيفرحون به، ويدعون الخلائق لقراءته، ويرضون بما أعطاهم الله من نعمة وسعادة في جنات عالية، تكون ثمارها قريبة منهم، فيأكلون منها ويشربون من أنهارها بلا حساب ولا عقاب.
دروس وعبر من قصة قارون
هذه هي قصة قارون مختصرة، التي ذكرها الله في سورة القصص، لتكون عبرة وعظة للمؤمنين. وفي هذه القصة دروس وعبر كثيرة، من أهمها:
- أن المال ليس غاية بحد ذاته، بل وسيلة للخير أو الشر. فإذا استخدم المال في طاعة الله وإحسان إلى خلقه، كان سببًا للبركة والفلاح. وإذا استخدم المال في معصية الله وظلم إلى خلقه، كان سببًا للشقاء والخسران.
- أن المؤمن لا يجب أن يغتر بزخرف الدنيا وزينتها . بل يجب أن يتذكر أن كل شيء في هذه الدنيا فانٍ وزائل. وأن الباقية هي الأعمال الصالحة التي تثبت على صحائف المؤمنين.
- أن المؤمن لا يجب أن يستغفر بالغير على ماله، بل يجب أن يشكر الله على نعمته. وأن يصرف من ماله في سبيل الله، وأن يتواضع ويتعاون مع إخوانه المؤمنين.
- أن المؤمن لا يجب أن يحسد أحدًا على ماله أو جاهه أو شرفه. بل يجب أن يرضى بقضاء الله وقدره، وأن يسأل الله من فضله وكرمه. وأن يعمل بجد وإخلاص ليحصل على رزقه الحلال.
- أن المؤمن لا يجب أن يخاف من فقر أو ضيق، بل يجب أن يتوكل على الله ويثق به. وأن يعلم أن الله هو الرزاق الكريم، وأنه لا يضيع عمل المحسنين.
المصادر والمراجع
- : سورة القصص، آيات (76-82).
- : تفسير ابن كثير: سورة القصص، آية (76).
- : تفسير الطبري: سورة القصص، آية (76).
- : تفسير ابن عطية: سورة القصص، آية (77).