قصة سيدنا سليمان: الحكمة والسلطان والمعجزات

قصة حكم سيدنا سليمان وأبيه داوود في الحرث:
أنعم الله -سبحانه وتعالي- على سيدنا سليمان -عليه السّلام- بصفات عديدة، مثل الذّكاء والفطنة وسرعة البديهة، وأيد الله -تعالى- حكمه الصّحيح وقضائه العادل بين الناس. وعندما فرقت غنم الراعي في الحرث، حكم سيدنا سليمان -عليه السّلام- في هذه المسألة بحكمه الصحيح كما حكم أبوه داود.
قال تعالى: ( وَداوودَ وَسُـــلَـــيـــمـــانَ إِذ يَـــحـــكُـــمـــانِ فِـــي الحَـــرثِ إِذ نَـــفَـــشَـــت فـــيـــهِ غَـــنَـــمُ الـــقَـــومِ وَكُـــنّـــا لِـــحُــكـــمِـــهِـــم شـــاهِـــديـــنَ {78} فَـــفَـــهَّـــمـــنـــاهـــا سُـــلَـــيـــمـــانَ وَكُـــلًّا آتَـــيـــنـــا حُـــكـــمًا وَعِـــلـــمًا وَسَـــخَّـــرنـــا مَـــعَ داوودَ الـــجِـــبـــالَ يُـــسَـــبِّـــحـــنَ وَالـــطَّـــيـــرَ وَكُـــنّـــا فاعِلينَ {79} ).
تدور القصة حول رجلين أتيا إلى النبي داود -عليه السّلام-، وكان الأول منهما يمتلك حرثاً، والثاني صاحب غنم. قال صاحب الحرث إن أغنام الثاني دخلت أرضه وأفسدتها، فقضى النبي داود بأن يأخذ صاحب الحرث الغنم. وبعد ذلك، توجه الرجلان إلى النبي سليمان -عليه السلام-، وهو طفل في الحادية عشرة من عمره، وعندما عرف سليمان الحكاية، قال إنه لو كان هو الحاكم لأصدر حكماً مختلفاً. ولكن حكم سليمان كان بأن يأخذ صاحب الأرض الغنم ويستخدمها لفترة معينة حتى تعود الأرض إلى حالتها السابقة، ثم يُعيد الغنم إلى صاحبها. وفي النهاية، قضى النبي داود بالحكم الذي أصدره سليمان لأنه كان يحافظ على حقوق جميع الأطراف في النزاع.
توليه الملك:
بعد وفاة داود -عليه السّلام-، تولّى سيدنا سليمان -عليه السّلام- حكم بني إسرائيل عندما كان يبلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً، ومنحه الله الملك والنبوّة معاً
كما دعا الله – سبحانه تعالى- أن يُؤتيه ملكاً لا يؤتيه لأحدٍ من بعده. فاستجاب الله -سبحانه تعالى- له وأعانه على حكم شعبه.
وكان سليمان -عليه السّلام- يتمتع بمحبة الله وتأييده، حيث سخّر الله له الإنس، والجنّ، والطّير، والشّياطين، والرّيح، فكانت تلك الكائنات تساعده في أمور حكمه.
وارث سليمان -عليه السّلام- العلم والملك من والده داود -عليهما السّلام-، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك حيث قال -تعالى-: “وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ”. وتخصيص سليمان بالورثة دلّ على أنّها ليست وراثة المال بل للملك والحكمة. وبفضل الله، حظي سليمان -عليه السّلام- بزيادة في الممتلكات والموارد التي ورثها من والده.
قصته مع الهدهد والملكة بلقيس:
أنعم الله -سبحانه وتعالى- على سليمان عليه السلام بفهم لغة الطيور، وكانت الطيور من المخلوقات التي استخدمها الله تعالى لخدمته. وكان يستخدمها سليمان في البحث عن الماء، وجمع المعلومات عن الأمم والشعوب. ومن بين هذه الطيور كان الهدهد، الذي اختفى في يوم من الأيام بدون أذن، فوعد سليمان الهدهد بالعذاب أو القتل إذا لم يكن له عذر.
غاب الهدهد فترة، وعندما عاد، سأله الملك سليمان عن سبب غيابه. أخبره الهدهد بأنه شاهد أهل سبأ وملكتهم بلقيس وهم يسجدون للشمس ويعبدونها، وأنهم يرون ذلك الفعل صحيحاً.
وعندما سمع الملك سليمان ذلك، أراد التأكد من الخبر وتراجع عن فكرة معاقبة الهدهد. فقام بكتابة رسالة تحث على عبادة الله وحده، وأعطاها للهدهد وأمره بأن يوصلها لأهل سبأ ويشاهد ماذا سيفعلون بها.
وعندما وجد الهدهد نافذة مفتوحة في قصر بلقيس، حيث فتحت الملكة النافذة لتستقبل أشعة الشمس وتعبدها. ولكن الهدهد ألقى كتابه في النافذة.
وعندما رأت الملكة الكتاب، جمعت أتباعها وطلبت منهم المشورة. فأخبروها بأنهم شعب قوي وقادر على التصدي لأي تحدي، وتركوا لها القرار النهائي.
قررت الملكة إرسال هدية إلى الملك سليمان لتخفيف حدة التوتر وتجنب الحرب. ولكن عندما وصلت الهدية، هدّد سليمان بإرسال جيوشه إذا لم تستسلم الملكة. وبعد التفكير الطويل، قررت الملكة الاستسلام والتوجه إلى سليمان.
عندما بلغ سليمان -عليه السّلام- بأمر ملكة سبأ، جمع حاشيته وطلب منهم جلب عرشها إليه. فـأخـبـره عـفـريـت من الجن بأنه قادر على إحضار العرش قبل أن يـقـوم مـن مـقـامه، واقترح عالم من علماء قومه جلب العرش قبل أن يـرتـد إلـيـه طـرفـه. فـشـكـر سليمان -عـليه السلام- ربه وأحضر العرش، ثم أمر الحاشية بتغيير مظهره قليلاً.
وعندما رأت بلقيس العرش تعجبت وقالت “كأنه هو”. عندما رأت قصر سيدنا سليمان، تعجبت من جماله ورفاهيته، وحسبت أنه بني على نهر.
وحين حاولت الدخول إلى العرش، كشفت عن ساقيها. بعد رؤية هذه المعجزات، أعلنت خضوعها لله وحده، وقالت ( ربِّ إِنِّـــي ظَـــلَـــمْـــتُ نَـــفْـــسِـــي وَأَسْـــلَـــمْـــتُ مَـــعَ سُـــلَـــيْـــمَـــانَ لِـــلَّــــهِ رَبِّ الْـــعَـــالَـــمِـــيـــنَ ).
قصته مع النملة:
قال تعالى: ( حَـــتَّـــى إِذَا أَتَـــوْا عَـــلَـــى وَادِ الـــنَّـــمْـــلِ قَـــالَـــتْ نَـــمْـــلَـــةٌ يَـــا أَيُّـــهَـــا الـــنَّـــمْـــلُ ادْخُـــلُـــوا مَـــسَـــاكِـــنَـــكُـــمْ لَـــا يَـــحْـــطِـــمَـــنَّـــكُـــمْ سُـــلَـــيْـــمَـــانُ وَجُـــنُـــودُهُ وَهُـــمْ لَـــا يَـــشْـــعُــرُونَ )،
لاحظت النملة سليمان وجنوده وأصابها الخوف على زملائها النمل من أن يتم دهسهم من قبل الجنود. فصاحت النملة بأعلى صوتها لتحذير زملائها بأن يدخلوا البيوت.
و عندما سمع سيدنا سليمان كلام النملة وابتسم بسعادة، فقد أشارت النملة إلى عدم قدرة سليمان وجنوده على إيذاء النمل عن عمد. وقد أشاد سليمان بنعمة الله التي منحها له ولوالديه.
قال تعالى: ( فَـــتَـــبَـــسَّـــمَ ضَـــاحِــكًـــا مِّـــن قَـــوْلِـــهَـــا وَقَـــالَ رَبِّ أَوْزِعْـــنِـــي أَنْ أَشْـــكُـــرَ نِـــعْـــمَـــتَـــكَ الَّـــتِـــي أَنْـــعَـــمْـــتَ عَـــلَـــيَّ وَعَـــلَـــى وَالِـــدَيَّ وَأَنْ أَعْـــمَـــلَ صَـــالِـــحًـــا تَـــرْضَـــاهُ وَأَدْخِـــلْـــنِـــي بِـــرَحْـــمَـــتِـــكَ فِـــي عِـــبَـــادِكَ الـــصَّـــالِـــحِـــيـــنَ ).
معجزات سيدنا سليمان:
تعد معجزات النبي سليمان -عليه السّلام- من بين أعظم المعجزات التي أنعم الله بها عليه،
حيث امتازت بمرافقتها إليه طوال حياته، ومن أهم هذه المعجزات:
1- تسخير الرياح:
حيث كانت الرياح تتحرك بأمر سليمان -عليه السلام- وتتجه حيث يأمرها، وكان بإمكانها تحريك السحاب وإحداث الأمطار بحسب أمره.
2- التحدث مع الطيور والحيوانات:
حيث كان بإمكان سليمان -عليه السلام- التحدث مع الطيور والحيوانات، وكانت تأتي إليه وتسمع كلامه.
3- السّيطرة على الجن:
حيث كان بإمكان سليمان -عليه السلام- السيطرة على الجن، وكانوا يعملون له في بناء القصور والحصون وغيرها من الأعمال.
4- فهم لغة الحشرات:
حيث كان بإمكان سليمان -عليه السلام- فهم لغة الحشرات، وكان يستخدم هذه القدرة في فهم أمور الطبيعة والزراعة.
5- اقتناء الجنود والحصون:
حيث كان لسيدنا سليمان -عليه السلام- جيوش من الجنود والحصون التي كانت تحميه وتخدمه في أعماله.
6- التمييز بين الحق والباطل:
كان بإمكان سليمان -عليه السلام- التمييز بين الحق والباطل، وكان يستخدم هذه القدرة في إدارة العدل بين الناس.
وفاة سيدنا سليمان:
بعد وفاة سليمان -عليه السّلام-، وجد النّاس أنّه كان يتّكئ على عصاه حتى توفي، ولم يكن هناك دليل واضح على وفاته إلاّ أنّ دودة الأرض أكلت العصا وسقطت على الأرض.
بعد ذلك، علم النّاس بموته، وقد مرت سنة كاملة منذ وقت وفاته. ويعتقد أن هذه الطّريقة الغريبة لوفاته كانت علامة على كذب الجنّ الذين يدّعون علمهم للغيب،
ولم يتعرف الجنّ على وفاته إلاّ بعد أن سقط على الأرض، وفي ذلك الوقت، كان الجنّ يعملون على بناء بيت المقدس.