قصة سيدنا ابراهيم للاطفال: أبو الأنبياء وخليل الرحمن

المقدمة
تغرف على قصة سيدنا ابراهيم للاطفال
سيدنا إبراهيم هو أحد الأنبياء الذين أرسلهم الله للناس ليهديهم إلى الحق والخير. كان سيدنا إبراهيم يعبد الله وحده لا شريك له، ولكن قومه كانوا يعبدون الأصنام التي صنعوها بأيديهم.
في هذا المقال، سنتعرف على قصة سيدنا ابراهيم للاطفال وبعض المواقف العجيبة التي مر بها سيدنا إبراهيم في حياته، وكيف أظهر توكله على الله وصبره على المصائب.
ومن أجل توسيع آفاق المعرفة لدى الأطفال، نقدم لكم في موقع وثائقيه قصة سيدنا ابراهيم للاطفال، القصة التي تحتوي على الكثير من المعلومات المفيدة والشيقة.
سيدنا إبراهيم والأصنام
البحث عن الخالق
كان سيدنا إبراهيم صغيرًا عندما بدأ يتفكر في خالق السموات والأرض. كان يرى قومه يسجدون للأصنام التي لا تسمع ولا تبصر ولا تغني شيئاً. فقال في نفسه: “هَذِهِ لَيْسَتْ آلِهَةٌ ، بَلْ هِيَ أَشْيَاء جَامِدَةٍ لَا تَسْتَحِقُّ الْعِبَادَة”.
فسأل أباه آزر عن الأصنام، فقال له: “يَا بنَيَّ ، هَذِه آلهتُنَا الَّتِي نَعْبُدُ ، فَلَا تَسْأَلْ عَنْهَا شَيْئًا”. فقال سيدنا إبراهيم: “يَا أَبَتِ ، كَيْف تَعَبُّدٌ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يبْصِرُ وَلَا يغْنِي عَنْكِ شيئًا ؟ أَوَلَيْسَ اللَّهُ خيرًا مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَامُ ؟” فغضب أبوه من كلام ابنه، وطرده من بيته.
رحلته إلى بلاد أخرى
فخرج سيدنا إبراهيم من بلده، وتوجه إلى بلاد أخرى. وفي طريقه، رأى نجمًا باهرًا في السماء، فقال: “هَذَا ربِّي”. فلمَّا أفل النجم قال: “لَا أحِبُّ الآفِلِين”. ثم رأى قمرًا منيرًا، فقال: “هَذَا ربِّي”. فلمَّا غاب القمر قال: “إِنْ لَمْ يرْشِدُنِيْ رَبِّيْ إِلَىْ الطَرِيْقِ الصَّحِيْح رَبِّى لَأُصْبِحَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّینَ”. ثم رأى شمسًا ضخمة، فقال: هَذَا ربِّي هَذَا أكْبَرُ. فلمَّا غابت الشمس قال: “أَنَا بَرِيءٌ مِنْ شِرْكُكُم وعبادتكم لِغَيْرِ اللَّهِ، فَقَد أخْلِصَت نِيَّتِي وَوَجَّهْت وَجْهِي لِلْخَالِق الْعَظِيمُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِقُدْرَتِه ، متمسكاً بِالدَّيْن الْحَقّ ومتبرئاً مِنْ كلِّ مَا تشْرِكُون بِهِ مِنْ دونِهِ”.
و بالتالي تبين لسيدنا إبراهيم أن الله هو الفاطر الجليل الذي لا شبيه له، وأن الأوثان والنجوم لا تعدو كونها مخلوقات تسير بإرادة الله.
الدعوة إلى التوحيد
عندما عاد سيدنا إبراهيم إلى قومه الضالين، دعاهم بالحكمة والموعظة الحسنة إلى عبادة الله الواحد الأحد. فقال لهم: “يَا قَوْمِ ، مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دونِ اللَّهِ ؟” قالوا: “هَذِهِ آلِهَتِنَا الَّتِي صَوَّرْنَاهَا بِأَيْدِيِنَا، وَإِلَيْهَا نَتَوَجَّهُ وَنَذْبَحُ”. فقال لهم: “كَيْفَ تعَبدُونَ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ؟ أَلَيْسَ اللهُ هوَ الْخَالِقُ الرَّزَّاقُ الْمُحِيِيُّ الْمُمِيتُ ؟ فَاُعْبُدُوهُ وَخَافُوهُ، وَلَا تَجْعَلُوا لَهُ أندادًا”. فلم يقبلوا دعوته وكفروا به وأبوا أن يسمعوا له.
محاربة الأصنام
عندما احتشد أهل القرية في المزارع للاستمتاع بيوم العيد، تسلل سيدنا إبراهيم إلى المحراب حاملاً فأسًا ثقيلة. وعندما وجه نظره إلى الأصنام، شعر بالغضب والحزن. فكيف تعبد هؤلاء الأصنام الباطلة بدلًا من الله الحق؟ فأخذ يضرب بالفأس على رؤوس وأيدي وأرجل الأصنام، حتى لم يبق منها سوى قطع متناثرة. ثم ألقى الفأس على كتف أكبر الأصنام، وغادر المحراب.
فلمَّا رجع قوم سيدنا إبراهيم من المزارع، سمعوا صوتًا عظيمًا من المحراب. فسارعوا إلى المحراب، وفوجئوا بمنظر الأصنام المكسورة. فقالوا: “مَنْ جَرُؤَ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ مَعَ آلِهَتِنَا ؟ إِنَّهُ لظَالِمُ جبَّارٍ !”؟ ثم تذكروا من كان ينكر عبادتهم للأصنام، فقالوا: ” إِنَّ هَذَا الشَّابِّ كَانَ يحَارِبُنَا فِي دِينِنَا، وَاِسْمَهُ إبْرَاهِيْم احْضُرُوهُ أَمَامَ الْجَمِيعِ لِنُحَاسِبُهُ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ”.
مواجهته لقومه
فجاءوا بإبراهيم مقيدًا بالحبال، وقالوا له: ” أَتَعْلَمُ مِنْ فَعَلًّ هَذَا بِآلِهَتِنَا ؟” فأشار إلى الصنم الأكبر، وقال: ” لَا أَدْرِي، ربَّمَا فِعْلِهِ هَذَا الصَّنَمِ الَّذِي فِي عنْقِهِ الْفَأْسَ.
لِمَ لَا تَسْأَلُوهُ إذاً كَانَ يَسْتَطِيعُ أَْنْ يَتَكَلَّمُ ؟” فانصرفوا إلى أنفسهم، وقالوا: ” إِنَّكُمْ أَنْتُمِ الظَّالِمُونَ.
أَتُعَبِّدُونَ آلِهَةً لَا تَسْتَطِيعُ أَْنْ تَتَكَلَّمُ وَلَا تَسَمُّعٌ وَلَا تَبَصُّرٌ؟”.
ثم رجعوا إلى إبراهيم، وقالوا: ” إِنَّكَ تَعَلُّمٌ أَنَّ هَذِهِ الْأَصْنَامِ لَا تَسْتَطِيعُ أَْنْ تَتَكَلَّمُ”. فقال لهم إبراهيم: ” فَكَيْفَ تعَبِّدُونَ مِنْ دونَ اللهِ مَا لَا يَضُرُّكُمْ وَلَا يَنْفَعُكُمْ ؟ أَوََلَسْتُم تفَكِّرُونَ فِي خَالِقِكُمِ الَّذِي خَلْقِكُمْ مِنْ عَدَمٍ؟”.
محاولة تعذيبه
في حين غضب قوم سيدنا إبراهيم من كلامه، وقالوا: ” سَنُضْرِمُ نارًا كَبِيرَةً وَنُلْقِيكَ فِيهَا لِتُنَالَ مِنْكَ آلِهَتَنَا الْاِنْتِقَامَ”. فجمعوا أكوامًا ضخمة من الحطب وأشعلوا فيها لهيبًا شديدًا، ثم أخذوا سيدنا إبراهيم مربوطًا بالحبال ورموه في وسط النار. وكان الشيطان يحركهم إلى فعل ذلك، وكان يريد أن يزرع الرعب في قلب سيدنا إبراهيم من المحنة.
ولكن سيدنا إبراهيم لم يخف من النار، بل ثبت على توكله على الله. وفي حين كان محاطًا بالنيران، ظهر له الشيطان على ثلاث هيئات وقال له في كل مرة: ” أَلَا ترِيدُ أَْنْ أَسَاعَدَكَ؟”. فأجابه سيدنا إبراهيم بإيمان وصبر قائلاً: “حَسْبِيَ اللَّـهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ”، فانصرف الشيطان من عنده مخذولًا ومغلوبًا.
إنقاذه من النار
واستمر سيدنا إبراهيم في التوكل على الله والثقة بقدرته حتى أنزل الله الملائكة لنجدته، وأتى ملك من السماء إلى سيدنا إبراهيم، وقال له: “يَا إبراهيم، هَلْ تَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ ؟” فقال سيدنا إبراهيم: ” أَمَّا مِنْكَ فَلَا، وَأَمَّا مِنْ رَبِّيٍّ فَقَدْ عَلِمَ حَالَي”. فأمر الله تعالى النار أن تكون باردة وسالمة على إبراهيم. فصارت النار باردة وسالمة على سيدنا إبراهيم، ولم تحرقه أو تؤذيه. وخرج سيدنا إبراهيم من النار سالمًا معافى، وحير قومه بفضل الله عليه.
سيدنا إبراهيم والطاغية نمرود
واستمر سيدنا إبراهيم يدعو قومه إلى التوحيد، ويبين لهم باطل عبادة الأصنام. حتى سمع به الطاغية النمرود، الذي كان يدعي أنه رب العالمين. فأراد هذا الطاغيه أن يخوض مناظرة مع سيدنا إبراهيم ليظهر قوته وجبروته. فدعا سيدنا إبراهيم إلى قصره، وسأله عن ربه: فأجابه بأن ربه هو الله، الذي يحيي ويميت. فقال نمرود: “أَنَا أحْىِ وَأمِیتُ”. فأعطى إبراهيم تحدٍ آخر. قال له: ” إِنَّ اللهَ يشْرِقُ الشَّمْسُ مِنَ الْمَشْرِقِ، وَأَنَا أَدْعُوكَ لِتُجْلِبُ الشَّمْسُ مِنَ الْمَغْرِبِ إِذَا كَنَّتْ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ”. فبُهِتَ وَخَسِرَ الَّذِینَ كَفَر.
وانصرف النمرود خائبًا ، وقرر أن ينتقم منه بقتله، فأمر جنوده بمطاردة سيدنا إبراهيم والقبض عليه، ولكن الله تعالى أنقذ سيدنا إبراهيم من كيد النمرود، وأرسل عليه ذبابًا دخل أنفه وأتلف دماغه وأودى به، وانتصر سيدنا إبراهيم بفضل الله على الطاغية الجبار.
سيدنا إبراهيم وزوجته سارة
الهجرة من أرضه
عندما هجر سيدنا إبراهيم أرضه، سار في الأرض بحثاً عن مكان يستقر فيه. وكان رفيق دربه زوجته الصالحة الجميلة سارة. وفي رحلتهما، اضطروا إلى المرور عبر مصر، التي كانت تحت سلطة فرعون طاغية. وكان فرعون يستولي على كل امرأة جميلة تقع في عينيه، ويقضي على زوجها بلا رحمة. فأصاب سيدنا إبراهيم الخوف من أن يفقد حياته وزوجته، فنصحها بالقول: اِدْعِي أَنَّكِ أخْتِي، وَلَسْتِ زَوْجَتِي، فَإِنَّهُ إِذَا عَرِفَ أَنَّكَِ زَوْجَتِي، لَنْ يَتْرُكُ لِي رَوْحَا، وَسَيَنْتَزِعُكَ مِنْ بَيْنَ يَدِيٍّ، وَإِنْ قلْتُ أَنَّكَ أخْتِيٌّ، سَيَلْطُفُ بِي وَسَيُكَرِّمُنِي بِالْهَدَايَا، وَأَنَا مطْمَئِنٌّ بِأَنَّ اللهَ سبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَيَرُدُّ كَيَدِهِ فِي نَحْرِهِ”. فقبلت سارة بالفكرة، وثبتت قلبها على الله.
الأسر في قصر فرعون
و عندما وصل إبراهيم وسارة إلى مصر، نظر جنود فرعون إلى سارة، وأبهروا بجمالها. فذكروا فرعون بحسنها، وأمروا بنقلها إلى قصره.
وسأل فرعون سارة عن هويتها، فأجابت: “أنَا أخْتُ إِبْرَاهِيْم”. ففهم فرعون أنها أخته من أب أو أم، وشاء أن يتزوجها. فمد يده إلى سارة، فأصاب الله يده بالجذام.
فقال فرعون لسارة: “مَنْ هوَ رَبُّكِ؟” قالت: “ربِّى الَّذِى خَلَقَكَ وَخَلَقَنِى”. قال: “مَنْ هوَ؟” قالت: “هوَ الْحَیُّ الْقَیُّومُ الَّذِى لَا یَمُوتُ”. فقال: “مَا اسْمُهُ؟” قالت: “اسْمُهُ اللَّـهُ”. قال: “وَمَا مَعْنَى ذٰلِكَ؟” قالت: “مَعْنَى ذٰلِكَ أَنَّهُ لَا إِلٰهَ إِلَّا هوَ، وَأَنَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِیكَ لَهُ، وَأَنَّ لَهُ الْأَسْمٰاءِ الْحُسْنٰى وَالصِّفٰاتِ الْعُلٰى”.
فانبهر فرعون بكلام سارة، وقال لها: “أَفَأَنْتُم تؤْمِنُونَ بِهَذَا الإِلَه؟” قالت: “نَعَمْ، أَنَا وَإِبْرَاهِيْم نؤْمِنْ بِهِ، وَنَشْهَدْ أَنَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكْ”. فقال فرعون: “فَمَنْ هوَ إِبْرَاهِيْم؟” قالت: “هوَ زَوْجِي”.
و بالتالي غضب فرعون من كذب سارة، وقال لها: فَلِمَاذَا قلْتِ أَنَّكِ أخْتِهْ؟ قالت: “إِنَّهُ أَخِي فِي الدِّينِ، وَزَوْجِي فِي الْحَقِيقَةِ”. فحاول فرعون أن يعذب سارة، فستغاثت بالله أن يخلصها من يده.
الخلاص من فرعون
فأنزل الله على فرعون وأتباعه ضربات شديدة من السماء، فارتعبوا من سارة، وظنوا أنها تمتلك سحرًا. فأرسلوا سارة إلى سيدنا إبراهيم، وأهدوا له جارية تسمى هاجر. وقال فرعون لسيدنا إبراهيم: “خذْ هَذِهِ الْجَارِيَةِ وَاِنْصَرَفَ مِنْ بِلَادِيٍّ، وَلَا تَعَدٍّ إِلَيْهَا مَرَّةً أخْرَى”. فغادر سيدنا إبراهيم مصر بزوجته سارة وهاجر، وبثروة عظيمة من المال والمواشي. وكان ذلك بفضل الله العظيم على سيدنا إبراهيم وزوجته سارة.
سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل
الدعاء بالذرية الصالحة
رغب سيدنا إبراهيم في أن يكون له ذرية صالحة توارث منه هذه الرسالة. فدعا ربه تعالى قائلا: “رَبِّ هَبْ لِى مِنَ الصّٰالِحِینَ”. فأجاب الله دعاءه، وأرسل إليه ملائكة يبشرونه بولادة غلام حليم من زوجته سارة، وسماه إسحاق. وقبل ذلك، كان قد رزقه الله بغلام من زوجته الثانية هاجر، وسماه إسماعيل. وأحب سيدنا إبراهيم عليه السلام ابنيه كثيرًا ، وعلمهما شريعة الله وأحكامه.
الإبتلاء بترك هاجر وإسماعيل في مكة المكرمة
ولكن الله تعالى اختبر سيدنا إبراهيم بابتلاء شديد، فأوحى إليه أن يأخذ هاجر وابنها إسماعيل، ويسافر بهما إلى بلاد مكة، ويتركهما في واد لا زرع فيه ولا ماء. فأطاع سيدنا إبراهيم أمر ربه، وأخذ هاجر وابنها، وانطلق بهما حتى أتى مكة. فأودعهما في واد قفر، وقال لهاجر: “يَا هَاجِرُ هَذَا هوَ بَيْتُكُمَا الْجَدِيدُ، فَاِسْتَقَرَّا فِيهِ بِأَمَانٍ، فَقَدْ أَوْحَى اللهُ إِلِي بِأَنْ أَتَرُكَّكُمَا هنَا”. وأعطاهما جرة ماء وخبزة طعام، ثم رحل.
فسألت هاجر سيدنا إبراهيم: “يَـا إِبْرٰهِیمُ أَیْنَ تَذْهَبُ؟ أَتَتْرُکُنَۤا فِی هـٰذِہِ الْقِفْرِ؟” فلم يجب سيدنا إبراهيم. فسألته مرة أخرى: “يَا إِبْراهِیمُ أَیْنَ تَذْهَبُ؟” أَتَتْرُکُنَۤا فِی هـٰذِہِ الْقِفْرِ؟” فلم يجب سيدنا إبراهيم. فسألته ثالثة: “يَـا إِبْراهِیمُ هَلْ أَمَرَكَ رَبُّكَ بِذٰلِكْ؟” فقال سيدنا إبراهيم: “نَعَم”. فقالت هاجر: “إذً ا لَنْ یضِیعُنَا رَبُّنَا”. فثقت هاجر بالله، وأطمأنت قلبها، فانصرف سيدنا إبراهيم عن زوجته وابنه، ودعا الله لهما ثم رجع سيدنا إبراهيم إلى بلاده، وترك زوجته وابنه في أمان الله.
معجزة زمزم
لم يمض وقت طويل حتى نفد الماء والخبز الذي تركه سيدنا إبراهيم لزوجته وابنه. فبدأ ابنه إسماعيل يبكي من العطش، وبدأت هاجر تخاف عليه. فخرجت من مكانها، وبحثت عن ماء في الوادي. فلم تجد شيئًا. فصعدت إلى جبل صغير يسمى الصفا، ونظرت من فوقه إلى الوادي. فلم تر شيئًا. ثم هبطت من الصفا، وركضت إلى جبل آخر يسمى المروة، ونظرت من فوقه إلى الوادي. فلم تر شيئًا. ثم رجعت إلى الصفا، وركضت إلى المروة، وكررت ذلك سبع مرات. وكان الله تعالى يراقب حاجر في كل خطوة تخطوها، ويرحمها في كل دمعة تذرفها.
فأنزل الله ملكًا من السماء، وضرب بجناحه في مكان قريب من سيدنا إسماعيل. فانبجست عين من الماء، تسمى زمزم. فسمعت هاجر صوت الماء، ورأته ينبعث من الأرض. ففرحت به، وشكرت الله عليه. ثم أخذت بقربة، وجمعت من الماء فيها. ثم أطعمت ابنها من الماء، وشربت هي أيضًا. فانتعشا بفضل الله، وأصبحا بخير.
تأسيس مكة المكرمة
ومر بعض الناس من قبيلة جرهم بالمكان، ورأوا الطير يحوم حول العين. فاستكشفوا المنطقة، ووجدوا هاجر وابنها. فسألوها عن نفسها وعن سيدنا إبراهيم. فأخبرتهم بقصتها، وأن الله أمر زوجها بتركها هناك. فتعجبوا من ذلك، وطلبوا منها الإذن بالإقامة معها. فوافقت على ذلك، وسكنوا معها في ذلك المكان. وكانوا يعبدون الله وحده لا شريك له. وسموا المدينة التي أسسوها بمكة المكرمة
سيدنا إبراهيم والكعبة
وفي ذلك الوقت، كان نبي الله إبراهيم يشتاق إلى زوجته هاجر وابنه إسماعيل، ويدعو لهما. فأرسل الله إليه وحيًا بأن يذهب إلى مكة، وأن يشارك ابنه إسماعيل في بناء بيت لله يقال له الكعبة. فسر سيدنا إبراهيم بهذا الخبر، وأحضر معه بعض المواد اللازمة للبناء، وانطلق إلى مكة. فلمَّا التقى بزوجته وابنه، عانقهما بحب وشوق، وقال لهما: “يَا هَاجَر وَیَا إسْماعِیلُ هَـٰذَا أَمْرٌ مِنَ ٱللَّـهِ أَنْ نَبْنِیَ لَهُ بَیْتًا فِی هـٰذِہِ ٱلْبِلَادِ، فَهَلْ تسَاعِدَانِىۤ فِی هـٰذِہِ ٱلْمِهِمَّةِ؟” فرضيا بأمر سيدنا إبراهيم، وتوكلا على الله.
و لذلك بدأ سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل في بناء الكعبة، وهما يرددان دعاء الله: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا”. وكان سيدنا إبراهيم يضع الحجارة على بعضها، وابنه إسماعيل يساعده في حملها وترتيبها. وأكملا البناء بتوفيق من الله، وجعلا الكعبة بيتًا مقدسًا للعبادة، وشعارًا للتوحيد.
وأمر الله سيدنا إبراهيم أن ينادي الناس بالحج إلى بيت الله، فسمع الناس نداء سيدنا إبراهيم، وأجابوه، وأتوا من كل مكان لزيارة بيت الله، وأداء شعائر الحج. وهكذا تحقق حلم سيدنا إبراهيم، وبارك الله في زوجته وابنه، وجعل من ذريته أنبياء وصالحين.
سيدنا إبراهيم والذبحة العظيمة
ابتلي سيدنا إبراهيم بابتلاء أشد من السابق، فأوحى إليه أن يذبح ابنه إسماعيل. فاندهش سيدنا إبراهيم من هذا الأمر، وقال في نفسه: “كَيْفَ أَذَبَحَ اِبْنُِي الَّذِي أحبّهُ كَثِيرًا، وَالَّذِي وَهَبَّنِي اللهُ إِيَّاهُ بَعْدَ طُولِ اِنْتِظَارٍ ؟” ولكن سيدنا إبراهيم لم يتردد في طاعة الله، بل قال: “سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا”. فأخذ سكينًا حادًا ، وأخذ ابنه إسماعيل، وسار به إلى مكان بعيد. فقال لابنه: ” يَا بنِّي، حَلَمَتْ أَنَّنِي أضْحِي بِكَ، فَمَا رَأْيِكَ فِي ذَلِكَ ؟” فأجاب الابن: ” يَا أَبَتِي، نَفَذٌ مَا أَوْحَى اللهُ إِلَيْكَ، فَإنْي بِإِذْنِ اللهِ مِنَ الْمُحْتَسِبِينَ عَلَى مَشِيئَتِهِ “
و بالتالي ذهبا سويًا إلى المكان الذي أمره الله به، ووضع سيدنا إبراهيم ابنه على جبهته، وأخذ السكين بيده، وأراد أن يذبحه. ولكن في تلك اللحظة، ناداه منادٍ من السماء: ” يَا إبراهيم، قَدْ صَدَّقَتِ الرُّؤْيَا، إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِيِّ الْمُحْسِنِينَ، إِنَّ هَذَا لِهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبَيَّنُ، وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحِ عَظِيمِ”. فرفع سيدنا إبراهيم رأسه، فإذا بكبش أعظم يتلوى في شجرة. فأسرع إلى الكبش، وذبحه مكان ابنه. وفرح سيدنا إبراهيم بفضل الله ورحمته، وشكره على هذا النجاة العظيمة. وفرح ابنه إسماعيل أيضًا بأن بقي حيًّا، وأن أبوه نجح في اختبار الله. وسمّى سيدنا إبراهيم هذا اليوم بعيد الأضحى، لأن الله فدى ابنه بذبح عظيم. وأوصى سيدنا إبراهيم أولاده وأحفاده أن يتقوا الله، وأن يضحوا كل عام بذبح يقرّبون به أنفسهم إلى الله.
الدروس والعبر المستفادة من قصة سيدنا ابراهيم للاطفال
- سيدنا إبراهيم عليه السلام كان نبياً عظيماً وخليلاً لله تعالى، وأباً للأنبياء والشعوب.
- قصة سيدنا ابراهيم عليه السلام للاطفال أظهرت توحيده لله تعالى منذ صغره، ورفضه عبادة الأصنام التي كان يعبدها قومه.
- سيدنا إبراهيم عليه السلام تحمل الابتلاءات والمحن بصبر وثقة بالله تعالى، وأطاع أوامره في كل شيء.
- سيدنا إبراهيم عليه السلام قدم أعظم مثال للإخلاص والتضحية في سبيل الله تعالى، حين أمره الله بذبح ابنه الحبيب إسماعيل عليه السلام، وكان على وشك فعل ذلك حتى رزقه الله بكبش عظيم.
- قصة سيدنا ابراهيم عليه السلام للاطفال تبين كيف بنى الكعبة المشرفة مع ابنه إسماعيل عليه السلام، وكيف دعا الناس إلى حج بيت الله الحرام، وكيف أقام شعائر الإسلام التي نتبعها حتى الآن.
- سيدنا إبراهيم عليه السلام كان صديقاً لجميع المخلوقات، وخصوصاً الطير والنار، التي خضعت لأمر الله تعالى لتحفظه من أذى أعدائه.
خاتمة
تعلمنا من قصة سيدنا ابراهيم للاطفال كيف كان يعبد الله بإخلاص، ويثق به توكلا، ويصبر على ابتلائاته صبرً ا جميلً ا. وكان سيدنا إبراهيم خليل الله، وأبو الأنبياء، وإمام الموحدين. فاسألوا الله أن يجعلنا من أتباع سيدنا إبراهيم في دين الإسلام، وأن يرزقنا حج بيت الله الحرام، كما حج سيدنا إبراهيم وابناؤه. آمین.