إسلاميات

عمر المختار: قائد الثورة الليبية ضد الاستعمار الإيطالي

المقدمة

ماذا تعرف عن المجاهد الليبي عمر المختار

عمر المختار بن عمر المنفي الهلالي، أو كما يعرف باسم “عمر المختار”، هو قائد أدوار السنوسية في ليبيا، وأحد أبرز المقاومين العرب والمسلمين في التاريخ. وُلد في 20 أغسطس 1858 في قرية جانزور ببادية برقة، وانتمى إلى قبيلة منفة هلالية تسمى بيت فرحات.

لُقب بـ “شيخ الشهداء”، و “شيخ المجاهدين”، و “أسد الصحراء”، نظرًا لشجاعته وصبره وإخلاصه في نصرة دينه ووطنه. قاد حربًا ضروسة ضد الاحتلال الإيطالي لأكثر من عشرين عامًا، رغم كبر سنه وضعف جسده.

شارك في عشرات المعارك، وأظهر مهارات عسكرية عالية، وأحبط خطط العدو المتكررة. أُسِر في 11 سبتمبر 1931 من قِبل الجنود الإيطاليين، بعد أن خانه أحد رفاقه. وُضِع على محاكمة مزورة، وأُصدِر عليه حكم الإعدام شنقًا. نُفِذَ الحكم في 16 سبتمبر 1931، عندما كان عمر المختار في الثالثة والسبعين من عمره.

كان هدف الإيطاليين من إعدام عمر المختار كسر إرادة الشعب الليبي، وإخماد أي حركات مقاومة ضد سلطتهم. لكن ما حدث هو العكس تمامًا، فاندلعت ثورات جديدة في ليبيا، وتصاعدت روح المقاومة، حتى تحقق الاستقلال عن الاحتلال. في هذا المقال سنستعرض موقع وثائقيه سيرة حياة عمر المختار، وأبرز محطات نضاله، وأثره في التاريخ. نأمل أن تستفيدوا من قراءته.

نسب عمر المختار

هو عمر بن مختار بن عمر بن محمد بن غيث بن بريدان بن محمد بن هديمة بن أبى هديمة بن محمد بن علم بن مناف بن محسن بن عكرمة بن الوتاج بن خالد بن الجوشافى بن عمرو بن الأرقع بن عويدة بن الجارح بن عروة بن هشام الكبير.

ينتمي عمر المختار إلى بيت فرحات، وهي فرع من قبيلة بريدان التي تعد جزءًا من قبيلة المنفة أو المنيف.

تعود أصول هذه القبيلة إلى عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن.

وهي أول القبائل الهلالية التي دخلت برقة، وتعتبر والدة عمر المختار هي عائشة بنت محارب.

نشأت عمر المختار

نشأ عمر المختار في بيتٍ متحضر يتسم بالعلم والكرم، ويحيط به شخصيّة شامخة وأخلاق المسلمين الحميدة.

التي استمدّها من تعاليم الحركة السنوسية، التي تعتمد على الكتاب والسنة.

لم يلتفت يومًا إلى أحد، بل بقي صامدًا وكالجبل الشامخ، حتى انتهى به المطاف شهيدًا، يدافع عن قضاياه ومبادئه.

ولد عمر المختار يتيمًا، حيث توفي والده عندما كان في طريقه إلى الحج، وكانت زوجته عائشة حاملًا بولده، الذين عهد بهما إلى رفيقه السيد أحمد الغرياني، شقيق شيخ زاوية جنزور، الذي كان ملتزمًا بتربيتهما.

وبعد أن تولّى الشيخ حسين الغرياني رعايتهما، أدخلهما إلى مدرسة القرآن الكريم في الزاوية. ومن ثم أرسل عمر المختار إلى المعهد الجغبوبي للالتحاق بطلبة العلم من أبناء الأخوين والقبائل الأخرى.

تعليم ودراسة عمر المختار

، اشتهر بصفاته القيادية والدينية وتميزه بثقافة عميقة في العلوم الشرعية. وقد حظي بتعليم مميز في معهد واحة الجغبوب، الذي كان آنذاك مركزاً رئيسياً للدعوة السنوسية في شرق ليبيا.

درس عمر المختار في هذا المعهد لمدة 8 سنوات، حيث تلقى تعليماً شاملاً في العلوم الشرعية، بما في ذلك الفقه والحديث والتفسير. وقد برز في هذه الفترة بشخصية قيادية قوية وثقافة دينية عميقة، ولعب دوراً هاماً في نشر الثقافة الإسلامية في المنطقة.

ومن المهم أن نذكر أن نشأة عمر المختار في الصحراء كان لها دور كبير في تشكيل شخصيته ومواقفه القيادية. فقد تعلم خلال سنوات صغره وشبابه كيفية التعامل مع القبائل وحروبها، وتعلم وسائل فض الخصومات البدوية وتمكن من العيش في ظروف قاسية تتطلب الصمود والقدرة على التحمل.

وعلاوة على ذلك، اكتسب عمر المختار خبرة واسعة في مسالك الصحراء، مما جعله يصبح ماهراً في الانتقال في تلك البيئة القاسية والتعامل مع التحديات التي تواجهها.

توجهاته وأفكاره

لا يخفى على أحد شهامة وشجاعة عمر المختار في مواجهة الظلم والاستعمار، لكن هذه الصفات لا يمكن فهمها إلا بعد فهم الإيمان العظيم الذي تحلى به المختار، فقد كان رجلاً شديد الحرص على أداء الصلوات في أوقاتها، ويقرأ القرآن الكريم يوميًا، ويختم المصحف الشريف كل سبعة أيام.

ومن أسباب الثبات التي تميز بها عمر المختار حتى اللحظات الأخيرة من حياته إدمانه على تلاوة القرآن الكريم، والتعبد به وتنفيذ أحكامه؛ فالقرآن الكريم هو مصدر تثبيت وهداية، ويحتوي على قصص الأنبياء والصالحين وذكر مآلهم ومصير الكافرين والجاحدين وأوليائهم، وكل هذا يساعد على تثبيت الإيمان وتحسين العمل الصالح.

ولقد كان عمر المختار يهتم بزاده الروحي اليومي بتلاوة القرآن الكريم، وقيام الليل، والتنفل في أوقات الفراغ، وكان محافظًا على الوضوء حتى في غير أوقات الصلاة، ولا يزال تراثه الروحي يؤثر على الناس حتى اليوم.

إن إيمان عمر المختار لم يكن مجرد كلام، بل كان يتجلى في أفعاله وأقواله وحتى في الأخلاق التي تحلى بها، كالأمانة والشجاعة والصدق

بالإضافة إلى محاربة الظلم والقهر والخنوع، وهذا هو ما جعله يكون شخصية مؤثرة في تاريخ ليبيا والعالم الإسلامي.

علاقته بالحركة السنوسية

تعتبر الحركة السنوسية من الحركات الإسلامية التي نشطت في القرن التاسع عشر، وتميزت بتجسيد دور الإسلام في مقاومة الاستعمار والاحتلال الأوروبي، وتربية النفوس على المبادئ الإسلامية الصحيحة.

تأسست الحركة في ليبيا، وانتشرت في شمال أفريقيا والسودان وعدد من الدول الإسلامية الأخرى.

تأسست الحركة بقيادة الشيخ المجاهد محمد بن علي السنوسي، الذي ولد في الجزائر عام 1202 هجريًا الموافق 1787 ميلاديًا، ونشأ في بيئة صوفية تربوية.

وقد أسس الشيخ السنوسي حركته على أسس إسلامية، وتجسدت في الجمع بين المقاومة للاستعمار والتربية الصوفية.

فقد كانت الحركة إحيائية، وتهتم بالعبادات والتزكية الفردية للإنسان، بالإضافة إلى التحضير للجهاد ومقاومة الاستعمار.

أما عن العلاقة بين الحركة السنوسية و الشهيد عمر المختار أنه من بين أبرز الشخصيات التي تركت بصمتها في الحركة السنوسية، الذي كان من أبناء الجبل الأخضر، حيث يقع مركز الحركة.

حيث تلقى تعليمه الشرعي في معهد الجغوب التابع للحركة، وتولى عدة مناصب في الحركة، وكان يتميز بحل المنازعات بين القبائل، ونشاطه في الدعوة للإسلام.

ويشهد التاريخ بأن الحركة السنوسية لعبت دورًا مهمًا في تأسيس الدولة الليبية الحديثة، وفي مقاومة الاحتلال الإيطالي لليبيا، وكان لها دور في حماية الثوابت الإسلامية والحفاظ عليها.

مواجهة الطليان

في العام 1911، بعد نزول القوات الإيطالية إلى ليبيا، بدأت القصة الشهيرة للشيخ الطاعن في السن والمتعلقة بالجهاد الممتد لمدة عقدين في الصحراء الليبية.

وقد أوكل إليه العمل العسكري ضد الطليان من قبل أحمد الشريف السنوسي، ومن بعده محمد إدريس السنوسي.

وكان أحمد الشريف قد قرر ترك زعامة الحركة لابن عمه محمد إدريس بعد الحرب العالمية الأولى، حيث شارك السنوسي في هذه الحرب إلى جانب الدولة العثمانية وقاتل الإنجليز في مصر، وذلك قبل أن يعقد محمد إدريس السنوسي هدنة مع الطليان أدت إلى انقسام المقاومين في ليبيا حول الالتزام بها.

ولقد خرق هذه الهدنة المختار بعد خروج إدريس السنوسي إلى مصر من ليبيا، ولكنه ظل على تواصل معه. واستمرت معارك الشيخ الطاعن في السن مع الطليان حتى النهاية، حيث تم القبض عليه وإعدامه بعد ذلك.

حرب العصابات

في القرن العشرين، قاد الأبطال المناضلين في ليبيا حرباً ضد الاحتلال الإيطالي الذي استمر لعدة عقود.

حيث كان على رأسهم عمر المختار، الذي اعتمد على طريقة الكر والفر في جهاده ضد الإيطاليين.

ومع انتشار الاستعمار الإيطالي في ليبيا، كان من المستحيل على لمجاهدين مواجهة هذا العدو صاحب الصفوف الكبيرة والمنظمة.

وبالتالي، قرر عمر المختار وغيره من المناضلين استخدام تكتيك الكر والفر للمواجهة مع الإيطاليين.

وفي هذا النوع من الحرب، يتم الهجوم على العدو من فجوات صغيرة ومتفرقة في الجبال، ثم يتم الانسحاب بسرعة إلى الأماكن المناسبة الأخرى.

وباستمرار تكرار هذا النوع من الهجمات، أصبح الإيطاليون يعانون من الإرهاق والإحباط، وكانت حرب العصابات التي قادها عمر المختار من بين أكثر الحروب ألماً للإيطاليين.

وتشير الأرقام إلى أن عمر المختار نجح في تحقيق نتائج إيجابية باستخدام هذا النوع من الحرب.

فقد تم خوض حوالي 260 معركة بين المجاهدين والإيطاليين خلال 18 شهرًا فقط، وهو رقم ضخم لدلالته على حجم الهجوم الذي نفذه المجاهدون السنوسيون بقيادة عمر المختار ضد الاحتلال الإيطالي.

إعتقال عمر المختار

وفي عام 1931، قرر المختار الانتقال إلى وادي الجريب ليزور إخوانه المقاتلين هناك. كان الوادي صعب المسالك وكثير الغابات، ولكن ذلك لم يمنع المختار من الذهاب إليه.

وصل المختار إلى الوادي، ولكنه وجد نفسه محاصراً من قبل الإيطاليين الذين كانوا يعرفون عن طريق عملائهم مكان تواجده.

ومن هنا بدأت المعركة الشرسة بين المجاهدين والإيطاليين، حيث استمرت لعدة أيام

وفي أثناء المعركة، أصيب عمر المختار بجراح في يده، وحصل فرسه على ضربة قاتلة.

وبسبب إصابته وحصاره، لم يتمكن من سحب يده السليمة، مما أدى إلى اعتقاله من قبل الإيطاليين في 11 سبتمبر/أيلول 1931.

وتم نقل المختار إلى ميناء سوسة، ومن ثم تم نقله عن طريق البحر إلى بنغازي.

محاكمة عمر المختار

حكم على عمر المختار بالإعدام شنقاً أمام الناس بتهمة الدفاع عن وطنه، ويتساءل البعض عن سبب صدور هذا الحكم.

قال الدكتور العنيزي واصفاً لمحاكمة السيد عمر المختار إن الطليان جاءوا به إلى قاعة الجلسة وهو مكبل بالحديد، وكان الحرس يحيط به من كل جانب.

كما ذكر الدكتور أنَّه كان جالساً بجوار السيد عمر في القاعة.

ومن ثمّ، أحضر الطليان مترجماً رسمياً يدعى هرمس، وعندما بدأ الاستجواب، تأثر المترجم بالمحاكمة.

مما أثر على ترجمته، وتمّ بعدها استبعاده واستبداله بمترجم يهودي يدعى لمبروزو ليقوم بالترجمة.

إعدام عمر المختار

في يوم الأربعاء الموافق 16 سبتمبر عام 1931، أعدم القائد الليبي الذي اشتهر بنضاله ضد الاحتلال الإيطالي.

تم تنفيذ الحكم في مركز سلوق بحضور 20 ألف شخص من الأهالي والمُعتقلين السياسيين

حيث أقيمت تدابير أمنية صارمة لضمان تنفيذ الحكم بنجاح.

وقبل تنفيذ الحكم، تعرضت العديد من الأشخاص للضرب والتعذيب، بما في ذلك جربوع عبد الجليل الذي تعرض للضرب بشدة بسبب بكائه عند رؤية عمر المختار يتلقى حكم الإعدام.

ومع ذلك، فقد انتفضت الأصوات الاحتجاجية والعارضة على هذا الحكم، ولم تنجح الإجراءات الأمنية في كبحها.

وفي لحظات تنفيذ الحكم، صعد المختار إلى منصة الإعدام وهو ينطق الشهادتين، ولم يلقِ كلمة قبل أن يتم إعدامه.

وبعض الناس الذين كانوا قريبين منه أكدوا أنه كان يؤذن بصوت خافت آذان الصلاة قبل تعرضه للإعدام.

وتم وصف فاطمة داروها العباريَّة التي ندبت فجيعة الوطن عندما علا المختار مشنوقًا بأنها “المرأة التي كسرت جدار الصمت”.

يذكر الدكتور العنيزي أنه تم إجبار الأهالي والأعيان المعتقلين في معسكرات الاعتقال والنازلين في بنغازي على حضور المحاكمة وتنفيذ الحكم.

وأنه ومع استبداد الحزن في قلوب الحاضرين، كانت هناك أصوات احتجاجية ضد هذا الحكم الظالم.

كما يذكر الدكتور العنيزي أيضاً انه عندما حان وقت تنفيذ حكم الإعدام لم يستطع رؤيته إذ أصابه المرض.

حيث لم يعفه الطليان من الحضور إلا عندما تأكدوا من وضعه الصحي وعدم قدرته على الحضور.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى