إسلاميات

عبد الباسط عبد الصمد: صوت القرآن الكريم وأسطورة التلاوة

المقدمة

ماذا تعرف عن الشيخ عبد الباسط عبد الصمد

الشيخ عبد الباسط عبد الصمد رحمه الله من أشهر قراء القرآن في العالم الإسلامي، وأحد أبرز الأعلام في هذا المجال. ولد في محافظة الشرقية بمصر عام 1345 هـ، وتعلم حفظ القرآن على يد شيخه محمد الأمير، ثم تلقى دروسًا في القراءات من شيخه المتقن محمد سليم حمادة. انضم إلى الإذاعة المصرية عام 1951، وأبهر المستمعين بتلاوته لسورة فاطر في برنامج خاص. وتولى منصب قارئ لمسجد الإمام الشافعي عام 1952، ثم لمسجد الإمام الحسين عام 1958، خلفًا للشيخ محمود علي البنا. كان أول نقيب للقراء في مصر عام 1984، وترك للإذاعة المصرية تسجيلات قيِّمة، بالإضافة إلى مصاحف مرتلة لبعض البلدان العربية والإسلامية. كان سفيرًا لكتاب الله في بلاد العالم، وزار دولًا عديدة منها لتلاوة آياته. اشتهر بصوته المبارك وتلاوته المؤثِّرة التي تخطف القلوب والآذان. سنستعرض في هذا المقال من موقع وثائقيه سيرته وأبرز إنجازاته، نسأل الله أن ينفع به ويرحمه.

مولده ونشأته

تربى الشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد في بيئة إسلامية مترسخة، حيث كان القرآن الكريم هو القيمة الأساسية التي تحكم حياة الناس في قريته المصرية الصغيرة.

وقد ولد في عام 1927 في قرية المراعزة التابعة لمحافظة قنا في جنوب الصعيد، وهي منطقة تشتهر بتمسك أهلها بالتقاليد والعادات الإسلامية.

وكان الجد والأب للشيخ عبد الباسط من بين الحفظة الذين كانوا مشهورين بحفظهم القرآن الكريم بالأحكام والتجويد، وكانا يشجعان أبناءهم على حفظ القرآن وتعلمه.

ولذلك كان أخوة الشيخ عبد الباسط محمود وعبد الحميد قد بدآوا في حفظ القرآن الكريم منذ نعومة أظفارهم.

وكان الشيخ عبد الباسط الأصغر من بين إخوته، حيث انضم إلى أشقائه في حفظ القرآن عندما بلغ السادسة من عمره.

وتميز بموهبته الفريدة في حفظ القرآن وتجويده بالأحكام، وكان يلفت الانتباه بصوته الرنان وأدائه الخاشع.

إنضمامه لدروس القرآن واكتشاف الموهبة:

انضم الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، وهو طفل صغير، إلى دروس القرآن الخاصة بالشيخ محمد الأمير في أرمنت.

حيث كان الاستقبال له من طرف الشيخ محمد الأمير أحسن استقبال ممكن وذلك بسبب المؤهلات القرآنية التي اتضحت في الطفل عن طريق سماعه للقرآن بشكل دائم في المنزل.

وبفضل تميز الشيخ عبد الباسط بسرعة استيعابه للقرآن، وبشدة انتباهه وحرصه على متابعة دروس شيخه بشغف وحب.

اكتشف الشيخ محمد الأمير العديد من المواهب والنبوغ في التلاوة والقراءة في تلميذه الموهوب.

فقد تمتع الطفل بدقة في التحكم في مخارج الألفاظ والوقف والابتداء، بالإضافة إلى عذوبة صوته التي تشنف الآذان بالسماع والاستماع.

كما كانت موهبة الشيخ عبد الباسط معروفة لدى الناس، إذ كان يرتل ما سمعه من الشيخ محمد الأمير بأداء طيب ورفع بصوته الجميل الذي يستوقف كل من سمعه، وذلك أثناء عودته إلى البيت.

قصته مع الحفظ والتلاوة:

يروي الشيخ عبد الباسط قصته التي بدأت عندما كان في العاشرة من عمره وهو يتابع تلاوة القرآن الكريم التي كانت تتدفق على لسانه كالنهر الجاري.

وكان جدّه من العلماء ووالده موظفًا بوزارة المواصلات، وعندما علموا برغبته في تعلم القراءات، أرشدوه إلى الشيخ محمد سليم في مدينة طنطا.

وبالرغم من المسافة البعيدة التي تفصل بين أرمنت وطنطا، فإنّه لم ينزعج الشيخ عبد الباسط من هذا الأمر بل كان مصمّمًا على السفر والتعلّم.

وقبل أن يسافر إلى طنطا، وصل الشيخ محمد سليم إلى أرمنت ليستقر هناك ويعلّم علوم القراءات في المعهد الديني.

واستقبل أهالي أرمنت الشيخ محمد سليم بحفاوة واحتفلوا به لأنه كان مشهورًا بقدراته وإمكاناته في علم القرآن والقراءات.

ولم يمر وقت طويل حتى قام أهل البلاد بتأسيس جمعية لحفظ القرآن الكريم في بلدة أصفون المطاعنة، واستقطبوا الشيخ محمد سليم ليشرف عليها ويعلم العلوم الشرعية.

وهناك ذهب الشيخ عبد الباسط لرؤية الشيخ محمد سليم، وراجع عليه كامل القرآن الكريم، ثم حفظ متن الذي يعرف باسم الشاطبية.

وبعدما أتم الشيخ عبد الباسط عبد الصمد الثانية عشرة من العمر، تلقى دعوات ومباركات من جميع أنحاء محافظة قنا وخاصة من أصفون المطاعنة.

وكانت هذه المباركات مرتبطة بمساعدات من الشيخ محمد سليم حيث أكد على موهبته الفذة في القراءة والتلاوة.

وكانت شهادة الشيخ محمد سليم محل ثقة الناس جميعًا، حيث كان يحترمه ويقدره الجميع لما يمتلكه من خبرة وعلم في علوم القرآن الكريم.

وبعد وفاة الشيخ محمد سليم، ظل الشيخ عبد الباسط يتلقى الدعم والتشجيع من المجتمع المحلي والمسؤولين الحكوميين.

وبالرغم من وفاة الشيخ محمد سليم، فإن الذكرى الخالدة له ولما قدمه من خدمة للإسلام والمجتمع ستبقى حاضرة في قلوب الجميع.

إلتحاقه بالإذاعة المصرية

تلقى الشيخ عبد الباسط عبد الصمد في أواخر عام 1951 ميلادية عرضًا من الشيخ الضباع للانضمام إلى فريق القراء في الإذاعة.

وبالرغم من الشغف الذي يمتلكه عبد الباسط تجاه فن القراءة، إلا أنه قرر تأجيل الانضمام لأسباب عدة، منها ارتباطه بمسقط رأسه وأهله، وحاجة الإذاعة إلى ترتيبات خاصة لاستضافته.

لكن بعد فترة من الوقت، قرر عبد الباسط العودة إلى فكرة الانضمام إلى فريق القراء في الإذاعة، حيث كان يعتبر ذلك فرصة للتعرف على مجتمع جديد والتعلم من خبرات الآخرين.

وبعد التواصل مع الإذاعة والاتفاق على الشروط والترتيبات اللازمة، قدم عبد الباسط نفسه للعمل في الإذاعة وتم اختياره كواحد من أفضل قراء القرآن في البلاد.

في عام 1951، حصل الشيخ الضباع على تسجيل نادر لتلاوة الشيخ عبد الباسط بالمولد الزينبي، وعرضه على الجنة الإذاعة.

وقد لاقى هذا التسجيل إعجاب الجميع وأثبت أن الشيخ عبد الباسط هو من القراء المتميزين والأبرز في عصره.

وبعد شهرة الشيخ عبد الباسط التي حققها في بضعة أشهر، أدرك الجميع بأنه لم يعد من الممكن تجاهله، فكان يتوجّب عليه الإقامة الدائمة في القاهرة مع أسرته التي نقلها معه إلى حي السيدة زينب.

وعندما تم إدراج صوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد في برنامج “رحمة”، انتشر إسم البرنامج بسرعة كبيرة عبر العديد من الأحياء والقرى.

ومع ذلك، لم يكن الجميع قادرًا على شراء جهاز راديو الذي يمكنهم من الاستماع إلى هذا البرنامج بشكل كامل.

لذلك، بدأ الناس في رفع صوت الراديو في المناطق المحيطة بهم حتى يتمكن الآخرون من الاستماع إلى التلاوات الخاصة بالشيخ عبد الباسط.

عندما كان البرنامج يتم بثه كل يوم سبت، كان الناس يتحضرون لهذا اليوم بفارغ الصبر ويستمعون إلى التلاوات الخاصة بالشيخ عبد الباسط بتركيز كامل.

حيث كان لهذا البرنامج تأثير كبير على المستمعين، فكان يحرك مشاعرهم ويعزز إيمانهم بالله.

فأصبحت تلاوات الشيخ عبد الباسط عبد الصمد جزءًا من الحياة اليومية للناس، حيث كانت تمنحهم السكينة والاطمئنان والأمل في الحياة.

رحلته إلى الشهرة

بدأت رحلة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد الإذاعية منذ عام 1952م، حيث تمكن من جذب الجماهير إليه بفضل تلاوته المؤثرة والتي تنبض بالتأثير والإلهام.

زيارته للمملكة العربية السعودية:

في عام 1952، أجرى الشيخ عبد الباسط أول زيارة له خارج مصر، حيث قام بأداء فريضة الحج بصحبة والده.

وعلى الرغم من أن الزيارة كانت من أجل الحج، إلا أنها انتهت بتسجيل عدد من التلاوات القرآنية التي تركت بصمة في قلوب المستمعين.

وبعد أن اكتشفوا مدى حلاوة صوته وإتقانه للتلاوة، طلبوا منه أن يسجل عدة تلاوات إذاعية، فلم يتردد في تلبية طلب.

وأهم تلك التلاوات كانت التي سجلت في الحرم المكي والمسجد النبوي الشريف، ولذلك أطلق عليه لقب “صوت مكة”.

ومنذ ذلك الحين، بات الشيخ عبد الباسط من القراء القلائل الذين يتم تذكرهم عندما يتعلق الأمر بتلاوة القرآن الكريم.

وقد زار الشيخ السعودية عدة مرات بعد ذلك، سواء كانت لدعوات رسمية أو لأداء فريضة الحج، وقام بتسجيل العديد من التلاوات التي حظيت بإعجاب الكثيرين.

بداية الشهرة:

وبعد ذلك، انهالت عليه الدعوات الرسمية وغير الرسمية، من شتى بقاع الأرض في شهر رمضان وغيره، من مختلف الدول الإسلامية.

وكانت بعض الدعوات ليست للاحتفال بمناسبة معينة، وإنما كانت دعوة الحضور بمناسبة وجود الشيخ عبد الباسط عبد الصمد.

كما كان يشعر الجميع بالسعادة والفرحة لوجودهم بجواره، ويعد ذلك دليلًا على شهرته وتأثيره الكبير في قلوب الناس.

زيارته لدولة باكستان:

وفي إحدى الزيارات إلى دولة باكستان، تم استقبال الشيخ عبد الباسط بحفاوة كبيرة على المستوى الحكومي والشعبي.

حيث وصل إلى أرض المطار وتم استقباله بحضور رئيس البلاد ومسؤولين حكوميين.

زيارته لدولة إندونسيا:

وفي دولة إندونيسيا، أقيم حفلًا كبيرًا للإحتفاء بالشيخ عبد الباسط، حيث قام بتلاوة القرآن الكريم في أحد أكبر مساجد البلاد.

كما حضر المئات من المسلمين للإستماع إليهِ وُقُوفًا على الأقدام، وامتد المجلس خارج المسجد لمساحة كبيرة.

زيارته لإحدى دول جنوب إفريقيا:

عندما وصل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد إلى إحدى دول إفريقيا الجنوبية، أرسل المسؤولون فريق عمل إعلامي من الصحافة والإذاعة. والتلفزيون.

وقاموا بإجراء لقاءات معه والتحقق من وجهة نظره حول وجود تفرقة عنصرية في المنطقة.

رغم أنه كان على دراية بأهدافهم، إلا أنه قام بتحويل الحديث إلى زميله وابن بلده، القارئ الشيخ أحمد الرزيقي.

وقد أجاب الشيخ أحمد الرزيقي على الأسئلة بلباقة وحكمة، مما أثار احترام جميع الحاضرين.

زيارته لدولة الهند:

كما زار الهند لإحياء احتفال ديني أقامه أحد الأغنياء المسلمين هناك، ولفت انتباهه تواضع المسلمين الهنود.

الذين خلعوا أحذيتهم وقفوا على الأرض محترمين محل السجود، مما أثار إعجابه وتأثره بالتواضع والتقوى الذي رأى فيهم.

ولم يكتف بزيارة دول العربية والإسلامية، بل قام بجولة في جميع أنحاء العالم، ووصل إلى المسلمين في جميع أنحاء العالم.

أشهر المساجد التي قرأ فيها

ومن بين المساجد الشهيرة التي قرأ فيها القرآن الكريم:

  • المسجد الحرام في مكة المكرمة.
  • المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة.
  • المسجد الأقصى في القدس.
  • المسجد الإبراهيمي في الخليل بفلسطين.
  • المسجد الأموي في دمشق.

بالإضافة إلى ذلك المساجد المعروفة في أفريقيا وأسيا وأمريكا وبريطانيا وفرنسا والهند والعراق، وغيرها من دول العالم.

حصوله على الأوسمة والتكريمات

نال الشيخ عبد الباسط شهرة واسعة في العالم العربي والإسلامي بفضل صوته العذب وخشوعه الساحر.

ومن ثم فقد حصل الشيخ على العديد من الأوسمة والتكريمات من مختلف الدول العربية والإسلامية.

ومن بين هذه الدول:

1-سوريا: منحت دولة سوريا الشيخ عبد الباسط وسام الاستحقاق عام 1959ميلادية.

2-لبنان: منحت دولة لبنان الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وسام الأرز.

3-العراق: منحت دولة العراق الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وسام العراق.

4-ماليزيا: منحت دولة ماليزيا الشيخ عبد الباسط عبد الصمد الوسام الذهبي عام 1965ميلادية.

5-باكستان: منحت دولة باكستان الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وسام باكستان عام 1980ميلادية.

7-وسام العلماء من باكستان: منح الرئيس الباكستاني ضياء الحق الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وسام العلماء عام 1984.

8-السنغال: منحت دولة السنغال الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وسام السنغال عام 1975ميلادية.

9-المغرب: منحت دولة المغرب الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وسام المغرب.

10-وسام الإستحقاق المصري: منح الرئيس المصري محمد حسني مبارك الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وسام الإستحقاق المصري.

وتعتبر هذا الوسام آخر الأوسمة التي حصل عليها في الاحتفال بليلة القدر عام 1987ميلادية.

مرضه ووفاته

أصيب الشيخ بمضاعفات مرض السكري والتهاب كبدي وتدهورت صحته مما دفع أبناءه والأطباء إلى نصحه بالسفر لعلاجه في مستشفيات لندن.

كما قام بالسفر إلى لندن ومكث بها لمدة أسبوع، ورافقهِ ابنه طارق، لكنه طلب منه العودة إلى مصر بعد ذلك.

شيع الجنازة في هذا اليوم جمع غفير من مختلف الجنسيات والثقافات، لتكريم الشيخ الراحل.

وحضرت هذه الجنازة سفيرات وسفراء من دول العالم، الذين حرصوا على التواجد بأنفسهم للمشاركة في تكريم الفقيد، وتعزية أهله وذويه.

وقد شهدت هذه الجنازة حضور عدد من الملوك والرؤساء، الذين أرسلوا ممثلين عنهم للتعبير عن مواساتهم وتقديرهم لدور الفقيد.

وتعتبر هذه الأوسمة دليلاً على الاعتراف الرسمي بأدائه المميز في تلاوة القرآن الكريم.

وقد جاء هذا التكريم تقديراً لجهوده المبذولة في خدمة القرآن الكريم ونشره حول العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى