إسلاميات

سيف الدين قطز: قائد عظيم وحاكم فذ يستحق الاحتفاء والتأمل

المقدمة

تعرف علي المظفر سيف الدين قطز

سيف الدين قطز هو سلطان مملوكي حكم مصر لمدة عام واحد فقط (1259-1260)، ولكنه ترك بصمة كبيرة في التاريخ الإسلامي بفضل شجاعته وحنكته في مواجهة التتار المغول الذين كانوا يهددون وجود الدولة الإسلامية. قاد قطز جيش المسلمين في معركة عين جالوت التي انتهت بانتصار ساحق على هولاكو خان وجيشه المهول، وحرر الشام والقدس من سطوتهم. كما أنه أظهر حكمة وعدالة في إدارة شؤون مصر والشام، وأحسن التعامل مع الأمراء المماليك والعلماء والفقهاء. في هذا المقال، سنتعرف معكم في موقع وثائقيه على نسبه ونشأته وشخصيته، وسنتابع حياته في الدولة الأيوبية والدولة المملوكية، وسنستعرض أبرز أحداث فترة حكمه كسلطان لمصر، وسنشهد معه معركة عين جالوت التاريخية، وسنعرف كيف توفي وأين دفن.

نسبه ونشأته

يعود نسب سيف الدين قطز إلى أمراء الدولة الخوارزمية، حيث يمتد النسب إلى الأمير ممدود الخوارزمي ابن عم السلطان جلال الدين خوارزم شاه، سلطان الدولة الخوارزمية وزوج أخته. ولد قطز في سمرقند، عاصمة خوارزم، في أوائل القرن الثالث عشر الميلادي. نشأ قطز كأي مملوك تم شراءه، مثل بقية المماليك الأرقاء القادمين من بلاد ما وراء النهر من بلاد المغول والترك. فالترك هم من الشعوب المغولية التي استوطنت شرق آسيا، ومن بينهم القبائل التتارية التي أنجبت جنكيز خان وهولاكو، وهما من أشهر الفاتحين في التاريخ .

في عام 1220 ميلادي، دخل ملك الدولة الخوارزمية علاء الدين محمد في صراع وحروب مع جنكيز خان، أدت إلى تحطم الإمبراطورية الخوارزمية وهلاك علاء الدين محمد وابنه جلال الدين. في هذه المرحلة، تم اختطاف قطز من قبل التتار، وحُمِل هو وغيره من الأطفال إلى دمشق، وتُبِعَ مَمْلُوكًا لأحد أثرياء البلاد آنذاك. بدأ قطز يتنقل من مالك لآخر، حتى انتقل لمصر وتُبِعَ مَمْلُوكًا للسلطان الصالح نجم الدين أيوب، آخر ملوك الدولة الأيوبية. تعلَّم قطز فنون القتال والخطط الحربية في مدارس المماليك، وشارك جيش الملك الصالح في صدِّ حَمْلَةٍ صَلِيبِيَّةٍ سابعةٍ، وتحقيق انتصار في معركة المنصورة عام 1250 ميلادي.

قطز هو اسم تركي مغولي أطلقه التتار على هذا البطل الذي قاومهم بشجاعة وحماسة عندما اختطفوه وباعوه وهو طفل. وقطز في لغتهم يعني (الكلب الشرس) أو (الكلب الذي ينهش).

شخصية سيف الدين قطز

سيف الدين قطز كان رجلاً ذا شخصية قوية ومميزة، يجمع بين الشجاعة والحكمة والعدالة والدين. كان قطز محباً للعلم والعلماء، ومحترماً للفقهاء والأئمة، ومتبعاً للشريعة الإسلامية في حكمه وقضائه. كان قطز متواضعاً في نفسه، وكريماً في عطائه، وشفافاً في سياسته، وصادقاً في كلامه. كما كان قطز محبوباً من قبل الشعب والجنود، وموقراً من قبل الأمراء والخصوم. كان قطز مقداماً في المعارك، وحذراً في التخطيط، وحنكاً في التفاوض، وحازماً في التنفيذ. كما كان قطز رحيماً بالضعفاء، وشديداً على الظالمين، وعادلاً بين الناس. كان قطز مثالاً للقائد المسلم الذي يجعل من دينه هدفه، ومن جهاده سبيله، ومن تاريخه عبرة.

قطز لم يكن رجلاً عادياً، بل كان رجلاً استثنائياً، فقد تغلب على ظروف نشأته الصعبة، وأظهر مواهبه القيادية منذ صغره. لم يكتف قطز بأن يكون مملوكاً أو أميراً أو سلطاناً، بل أراد أن يكون بطلاً للإسلام والمسلمين. قطز لم يخشَ من التتار أو من أحد، بل خشى من الله وحده. لم يسعَ قطز للسلطة أو للثروة أو للشهرة، بل سعى لرضى ربه وخدمة دينه. قطز لم يترك خلفه إرثاً مادياً أو حكومياً أو عسكرياً فقط، بل ترك إرثاً تاريخياً وروحياً يستذكره الأجيال.

حياته في الدولة الأيوبية

سيف الدين قطز عاش في مصر في آخر فترة حكم الدولة الأيوبية، التي كانت تعاني من ضعف وفساد وانقسامات داخلية. كان قطز من المماليك البحرية، وهم مجموعة من المماليك التركية التي اشتراها السلطان الصالح نجم الدين أيوب من جزيرة قرم في بحر أسود. كما كان قطز يحظى بثقة واحترام السلطان الصالح، وشارك معه في عدة حملات عسكرية ضد الصليبيين والأيوبيين المتمردين. كان قطز يتمتع بشعبية ونفوذ بين المماليك البحرية، وكان يقودهم في مجلسهم المسمى دار المقدم.

في عام 1249 ميلادي، هاجم الملك لويس التاسع ملك فرنسا مصر بجيش صليبي كبير، واستولى على دمياط. توفي السلطان الصالح في نفس العام، وخلفه ابنه توران شاه. قاد قطز مع أمير المماليك شجاع الدين بَيْبَرْس جيش المسلمين في معركة المنصورة، وحقق انتصاراً عظيماً على الصليبيين، وأسر الملك لويس التاسع. بعد ذلك، اغتال المماليك توران شاه، وأطاحوا بالدولة الأيوبية، وأسسوا دولة جديدة تُعرف باسم الدولة المملوكية.

حياته في الدولة المملوكية

سيف الدين قطز كان من رواد تأسيس الدولة المملوكية، التي كانت تتكون من مجموعة من المماليك الذين استولوا على السلطة في مصر بعد إسقاط الدولة الأيوبية. كان قطز ينتمي إلى فرقة المماليك البحرية، التي كانت تتنافس مع فرقة المماليك الشرقية، التي اشتراها أيضاً السلطان الصالح من بلاد ما وراء النهر. كما كان قطز يحمل لقب المقدم، وهو رئيس مجلس المماليك البحرية، وكان يتولى مهام عسكرية وإدارية هامة. كان قطز صديقاً وحليفاً لشجاع الدين بَيْبَرْس، وهو أبرز قادة المماليك الشرقية، والذي سيصبح سلطاناً لمصر بعد قطز.

في عام 1257 ميلادي، اختار المماليك أحد أقارب توران شاه ليكون سلطاناً لمصر باسم المنصور علاء الدين علي. كان قطز يشغل منصب نائبه ووزيره. في عام 1259 ميلادي، توفي المنصور علاء الدين علي، وخلفه ابنه المستعجل نور الدين محمود. كان قطز يشغل منصب نائبه ووزيره أيضاً. في نفس العام، دخل هولاكو خان، حفيد جنكيز خان، بجيش تتاري ضخم إلى بلاد الشام، وأخذ يحارب ويدمر كل ما يقابله. هولاكو خان احتل بغداد وأحرقها، وقتل خليفة المسلمين المستعصم بالله، وأخذ يتقدم نحو دمشق والقدس.

في هذه المرحلة، قام قطز بإجراء انقلاب على المستعجل نور الدين محمود، وأعلن نفسه سلطاناً لمصر باسم المظفر سيف الدين قطز. قطز أدرك خطورة التهديد التتاري على مصير المسلمين، فأعد جيشاً قوياً من المماليك والأشراف والأعیان والفلاحین، وأخذ يستعین بالله تعالى في صلاةِ الإستِسْقاءِ وصلاةِ التَّضْرُعِ إلى ربِّهِ. ثم انطلق قطز بجیشِهِ إلى بِلاَدِ الشَّامِ لِیُوَاجِھَ التَّتَارَ فی مَعْرَکَةٍ حَاسِمَةٍ.

سيف الدين قطز سلطاناً لمصر

سيف الدين قطز أصبح سلطاناً لمصر في عام 1259 ميلادي، وكان أول سلطان مملوكي من المماليك البحرية. قطز واجه تحديات كبيرة في بداية حكمه، فكان عليه أن يحافظ على استقرار مصر والشام، وأن يواجه التتار والصليبيين، وأن يحل مشاكل المماليك والأهالي. قطز تصرف بحكمة وعدالة في إدارة شؤون دولته، وأظهر قدرة عالية على التخطيط والتنظيم والتنفيذ. أولى قطز اهتماماً بالشؤون الدينية والعلمية والثقافية والاجتماعية، وأنفق جزءاً كبيراً من خزينة الدولة على بناء المساجد والمدارس والمستشفيات والخيرات. كان قطز رحيماً بالفقراء والمساكين، وشديداً على الظالمين والفاسدين، وعادلاً بين الأقوام والأديان.

قطز لم يستغل سلطته للترف أو التبذير أو التجبر، بل كان متواضعاً في نفسه، وكريماً في عطائه، وشفافاً في سياسته. لم يكن قطز طامعاً في السلطة أو الثروة أو الشهرة، بل كان راضياً بقضاء الله وقدره. قطز لم يحكم مصر لفترة طويلة، فقد تولى السلطة لعام واحد فقط، لكنه ترك إنجازات عظيمة في تاريخ مصر والإسلام. أبرز هذه الإنجازات هو مواجهة التتار في معركة عين جالوت.

الإستعداد لمواجهة التتار

سيف الدين قطز كان يدرك أن مواجهة التتار هي مصيرية لمستقبل المسلمين، وأنه لا بد من التحضير جيداً لهذه المواجهة. قطز بدأ بإرسال رسائل إلى جميع حكام المسلمين، يدعوهم إلى التحالف والتعاون ضد العدو المشترك، ويحذرهم من خطر التفرق والخيانة. كما حظي قطز بدعم ومساندة من بعض الحكام، مثل الملك المغربي أبو يوسف يعقوب المنصور، والخليفة العباسي المستنصر بالله، والأمير الحمصي المظفر سيف الدين غازي. قطز لم يحظ بدعم من بعض الحكام الآخرين، مثل السلطان السلجوقي ركن الدين قلاوون، والأمير الحلبي نور الدين علي، والأمير الحوراني نجم الدين أيبك. لم يستسلم قطز للإحباط أو الضغط، بل استمر في جهوده وتحركاته.

قطز اختار مكان المواجهة في سهل عين جالوت، وهو سهل خصب في فلسطين، يقع بين جبال جليل وجبال نابلس. اختار قطز هذا المكان لأنه يتمتع بمزايا استراتيجية، فهو يقع على طريق التتار إلى مصر، وهو يصلح لحركة الفرسان والرماة، وهو يحتوي على عين ماء تغذي الجنود والخيل.كما اختار قطز زمان المواجهة في شهر رمضان المبارك، وهو شهر الصبر والثبات والإيمان. كما اختار قطز هذا الزمان لأنه يشعر بأنه يحظى ببركة ونصر من الله تعالى، وأنه يثير روح التضحية والجهاد في نفوس المسلمين.

قطز أعد جيشه بعناية ودقة، فاختار من المقاتلين أشدَّهُم شَجَاعَةً وأَفْضَلَهُم خِبْرَةً. كما جَعَلَ قطز جیشَھُ یُشْکِلُ ثَلاَثَ فِرَقٍ: فِرْقَةٌ أُولى تُسْمى (الْیَمِین) تُقَاتِلُ على یُمِینِھِ، وفِرْقَةٌ ثانیة تُسْمى (الْیُسْرى) تُقَاتِلُ على یُسْرِھِ، وفِرْقَةٌ ثالثة تُسْمى (الْمُقَدَّمَة) تُقَاتِلُ أَمَامَھُ. جَعَلَ قطز نَفْسَهُ وشجاع الدين بَيْبَرْس والأمیر فارِس الدِّین أكتاي والأمیر عز الدین أیبک والأمیر علاء الدین قاضی الجبل في الفِرْقَةِ الْمُقَدَّمَةِ، لأنها أشدُّ الفِرَقِ حرباً وأعظمها شرفاً. قطز جَعَلَ جیشَھُ یُحْمِلُ أسلحةً مختلفةً، مثل السیوف والرماح والسهام والنبال والمنجنیق. قطز جَعَلَ جیشَھُ یتدرب بانتظام ویتواصل بحذر، ویتعوّد على الصوم والصلاة والذکر.

معركة عين جالوت

معركة عين جالوت هي واحدة من أعظم المعارك في التاريخ الإسلامي، وأحد أهم الأحداث في تاريخ البشرية. وقعت المعركة في يوم الجمعة 25 رمضان 658 هجرية، الموافق 3 سبتمبر 1260 ميلادية، بين جيش المسلمين بقيادة سيف الدين قطز، وجيش التتار بقيادة كتبغا، نائب هولاكو خان. كان عدد جيش المسلمين حوالي 12 ألف مقاتل، بينما كان عدد جيش التتار حوالي 20 ألف مقاتل. كانت المعركة حاسمة لمصير المسلمين والإسلام، فإن فازوا فستبقى دولتهم ودينهم، وإن خسروا فستزول دولتهم ودينهم.

خطة المعركة

بدأت المعركة بتقدم جيش التتار نحو موقع جيش المسلمين، وبإطلاق سهامهم وحجارتهم عليهم. رد جيش المسلمين بإطلاق سهامهم وحجارتهم أيضاً، وبالصبر والثبات على مواقعهم. ثم أمر قطز بالفرقة الأولى (الْیَمِین) أن تهاجم الفرقة الأولى للتتار (الْیُسْرى)، وأن تتظاهر بالهروب بعد قليل. ففعل ذلك قائد الفرقة الأولى للمسلمين، وهو الأمير زاھِیر بَیْبَرْس. اعتقد التتار أن المسلمين قد انهزموا، فطاروا وراءهم في مطاردة. ثم أمر قطز بالفرقة الثانية (الْیُسْرى) أن تهاجم الفرقة الثانية للتتار (الْیَمِین)، وأن تفعل مثل الفرقة الأولى. ففعل ذلك قائد الفرقة الثانية للمسلمين، وهو الأمير إبراھِیْم بَیْبَرْس. اعتقد التتار أن المسلمين قد اضطروبوا، فطاروا وراءهم في مطاردة.

المواجهة

بقی من جیشِ التَّتَارِ فِی المَیْدَانِ فِرْقَةٌ ثالثةٌ تُسْمى (الْخُطَّةُ)، وھِیَ أَشَدُّ الفِرَقِ حَرْبًا وأَکْبَرُھَا عَدَدًا. ھذِھِ الفِرْقَةُ ھِیَ التِّی تُحْکِی عَن قُوَّةِ التَّتَارِ وشَرَاسَتِھِم. وفِی رأسِھَا قائدُ التَّتَارِ کتبغا، ومعه أشرف وأنبل التتار. ثم أمر قطز بالفرقة الثالثة (الْمُقَدَّمَة) أن تهاجم الفرقة الثالثة للتتار (الْخُطَّة)، وأن تقاتلها بكل شجاعة وإيمان. ففعل ذلك قائد الفرقة الثالثة للمسلمين، وهو سيف الدين قطز نفسه. اندلعت معركة عنيفة بين الفريقين، تخللتها صرخات وأنات ودماء وجثث. قاتل المسلمون بكل بسالة وإصرار، وقاتل التتار بكل عناد وغضب.

نتيجة المعركة

استمرت المعركة لساعات طويلة، حتى تحولت إلى مجزرة لا توصف. كان المسلمون يستغيثون بالله تعالى، وينادون بالشهادة والجنة. كان التتار يستغيثون بهولاكو خان، وينادون بالانتقام والغنيمة. في نهاية المعركة، انهزم جيش التتار، وقتل قائدهم كتبغا، وفر من بقي منهم هاربين إلى سوريا. انتصر جيش المسلمين، وحمد قائدهم قطز الله تعالى، وشكر من بقي منهم شهداءً وجرحىً. كانت معركة عين جالوت نصراً عظيماً للإسلام والمسلمين، وهزيمةً مذلةً للتتار والمغول. كانت معركة عين جالوت فاتحةً لسلسلة من المعارك التي أوقفت تقدم التتار نحو الغرب، وأعادت الشام والقدس إلى حضن المسلمين.

تحرير الحاميات التتارية

بعد انتصاره في معركة عين جالوت، لم يكتف سيف الدين قطز بالراحة أو الاحتفال، بل استغل الموقف لتحقيق أهداف أكبر. قطز أراد أن يستغل ضعف وانسحاب التتار، وأن يستعيد الأراضي التي احتلوها من المسلمين، وأن يحرر الشام والقدس من سطوتهم. أراد قطز أن يثبت للعالم أن المسلمين لم يموتوا أو يستسلموا، بل أنهم قادرون على الصمود والانتصار. كما أراد قطز أن يكون خليفة المسلمين في هذه المرحلة الحرجة، وأن يقودهم إلى عصر جديد من العزة والكرامة.

قطز تابع مسيرته العسكرية بعد معركة عين جالوت، وأخذ يحرر المدن والقرى التي كانت تحت سيطرة التتار. كما حرر قطز دمشق وبيروت وصور وصيدا وطرابلس وحمص وحماة واللاذقية. وحرر القدس والخليل وبيت لحم وغزة وجبل نابلس. حرر قطز حلب وديار بكر والجزيرة. كما حرر كل هذه المدن في غضون ثلاثة أشهر فقط، من سبتمبر إلى ديسمبر 1260 ميلادية. وكان يدخل كل مدينة محررة بشكل سلمي وودود، ويقوم بإصلاح ما دمره التتار من مساجد ومدارس وخيرات. كما كان يعامل أهل كل مدينة محررة بشكل رحيم وعادل، ويقوم بإعفاءهم من الضرائب والجزاءات. وكان يستقبل كل حاكم مسلم في كل مدينة محررة بشكل كريم وشرفي، ويقوم بإعادة تثبيته في منصبه.

قطز لم يكن يستولي على المدن التي حررها، بل كان يضعها تحت حماية دولته المصرية. لم يكن قطز يفرض سلطته على الحكام المسلمين في المدن المحررة، بل كان يعقد معهم اتفاقات تعاون وصداقة. ولم يكن يستغل ثروات المدن المحررة، بل كان يستثمرها في إعادة إعمارها وإزدهارها. قطز لم يكن يظلم أو يضطهد أقوام أو أديان في المدن المحررة، بل كان يحترم حقوقهم وحرياتهم. كما كان يعمل على توحيد المسلمين في الشام والعراق والجزيرة، وعلى تقوية صفوفهم وروابطهم. قطز كان يهدف إلى إنشاء دولة إسلامية قوية ومستقرة ومزدهرة، تكون حصناً للإسلام والمسلمين.

مقتل سيف الدين قطز

سيف الدين قطز لم يعش بعد انتصاره في معركة عين جالوت وتحريره للحاميات التتارية سوى ثلاثة أشهر فقط، فقد توفي في يوم السبت 22 ربيع الأول 659 هجرية، الموافق 1 مارس 1261 ميلادية. كان قطز في طريقه إلى مصر بعد تركه للشام، وكان يمر بمدينة الكرك في جنوب الأردن. وكان قطز يستريح في خيمته، عندما دخل عليه أحد خدامه، وهو مملوك يُسمى عبد الله المهذب. كان عبد الله المهذب يحمل سكيناً في يده، فطعن بها قطز في صدره، وقتله على الفور. ثم هرب عبد الله المهذب من الخيمة، وحاول الفرار من المخيم. لكن جنود قطز لحقوا به، وأمسكوا به، وقتلوه بعد تعذيبه.

لا يعرف بالتأكيد سبب اغتيال قطز، ولا من أمر به أو نفذه. هناك عدة نظريات وشائعات حول هذا الموضوع، لكن لا يوجد دليل قاطع أو شاهد حقيقي على أي منها. بعض النظريات تقول إن عبد الله المهذب كان يعمل لصالح التتار، وأن هولاكو خان أرسله للانتقام من قطز. بعض النظريات تقول إن عبد الله المهذب كان يعمل لصالح شجاع الدين بَيْبَرْس، وأن بَيْبَرْس أراد أن يخلص من منافسه قطز. وبعض النظريات تقول إن عبد الله المهذب كان يعمل لصالح نور الدين علي، وأن علي أراد أن يسترجع حلب من قطز. بعض النظريات تقول إن عبد الله المهذب كان يعمل لصالح نجم الدين أيبك، وأن أيبك أراد أن يستولى على مصر من قطز.

لا يمكن التأكد من صحة أو خطأ أي من هذه النظريات، فقد تكون جميعها صحيحة أو خاطئة. المؤكد هو أن مقتل قطز كان صدمة كبيرة للمسلمين، وخسارة فادحة للإسلام. فقطز كان رجلاً عظيماً وسلطاناً ناجحاً وقائداً بطلاً. قطز كان حاملاً لشعلة الجهاد والنصر في وجه التتار والصليبيين. كان قطز محبوباً من قبل الشعب والجنود، وموقراً من قبل الأمراء والخصوم. قطز كان مثالاً للقائد المسلم الذي يجعل من دينه هدفه، ومن جهاده سبيله، ومن تاريخه عبرة. قطز ترك خلفه إرثاً تاريخياً وروحياً يستذكره الأجيال.

قبر سيف الدين قطز

سيف الدين قطز توفي في مدينة الكرك في جنوب الأردن، ودُفِنَ هناك في مقبرة تُسمى مقبرة الملوك. هذه المقبرة كانت تضم قبور بعض حكام الدولة الأيوبية والدولة المملوكية، مثل الملك الظاهر بيبرس والملك المظفر قلاوون والملك المنصور لاجين. كان قبر قطز بسيطاً ومتواضعاً، لا يشير إلى عظمة صاحبه أو إلى شهرة اسمه. وكان قبر قطز مهملاً ومنسياً، لا يزوره أحد أو يعرفه أحد. كان قبر قطز شاهداً على تاريخ مجيد وروح عالية، لكنه أصبح ضحية للجهل والتخلف.

في عام 2009 ميلادية، تم اكتشاف قبر قطز من جديد، بعد أن كان مخفياً تحت طبقة من التراب والأحجار. تم اكتشاف قبر قطز بفضل جهود فريق من الباحثين والمؤرخين والأثريين من مصر والأردن، بقيادة الدكتور زاهي حواس، وزير الآثار المصري السابق. وتم اكتشاف قبر قطز بعد أن تم التعرف على نقش على حجر القبر، يحمل اسم سيف الدين قطز ولقبه المظفر. تم اكتشاف قبر قطز بعد أن تم التأكد من صحة المعلومات من خلال المصادر التاريخية والوثائقية. تم اكتشاف قبر قطز بعد أن تم التوصل إلى موقعه بعد سلسلة من البحث والتنقيب.

بعد اكتشاف قبر قطز، تم إعادة ترميمه وتجديده، وتحويله إلى مزار تاريخي وثقافي. تم إعادة ترميم قبر قطز بإشراف وزارات الآثار في مصر والأردن، وبدعم من جامعات ومؤسسات علمية وإعلامية. وتم إعادة ترميم قبر قطز بإحترام لذكرى صاحبه وإعجاب بإنجازاته. تم إعادة ترميم قبر قطز بغية إحیاء التاریخ الإسلامی وإبراز دور المسلمین في صُنْعِ الحضارة. وتم إعادة ترمیم قبر قطز بغیة نشر الثَّقَافَةِ والْوَعْیِ بینَ الْأُمَّتَینِ المصریَّةِ والْأُرْدُنِیَّةِ، وبینَ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِیَّةِ بِأَسْرِھَا. تم إعادة ترميم قبر قطز بغية تكريم القائد المسلم الذي جعل من دينه هدفه، ومن جهاده سبيله، ومن تاريخه عبرة.

خاتمة

في هذا المقال، تعرفنا على سيف الدين قطز، سلطان مملوكي عظيم، قاد المسلمين في مواجهة التتار في معركة عين جالوت، وحقق انتصاراً تاريخياً عليهم. تعرفنا على نسبه ونشأته وشخصيته، وتابعنا حياته في الدولة الأيوبية والدولة المملوكية، واستعرضنا أبرز أحداث فترة حكمه كسلطان لمصر، وشهدنا معه معركة عين جالوت التاريخية، وعرفنا كيف توفي وأين دفن. اكتشفنا أن قطز كان رجلاً ذا شخصية قوية ومميزة، يجمع بين الشجاعة والحكمة والعدالة والدين. واكتشفنا أن قطز كان قائداً بطلاً وسلطاناً ناجحاً، حافظ على استقرار مصر والشام، وحررهما من سطوة التتار والصليبيين. اكتشفنا أن قطز كان مثالاً للقائد المسلم الذي يجعل من دينه هدفه، ومن جهاده سبيله، ومن تاريخه عبرة.

سيف الدين قطز هو من أبطال الإسلام وأسود التاريخ، فقد أظهر للعالم أن المسلمين لم يموتوا أو يستسلموا، بل أنهم قادرون على الصمود والانتصار. وهو من رجالات الإسلام وأعلام التاريخ، فقد ترك إرثاً تاريخياً وروحياً يستذكره الأجيال. سيف الدين قطز هو من شخصيات الإسلام وأحداث التاريخ، فقد كان حاملاً لشعلة الجهاد والنصر في وجه التتار والصليبيين. نسأل الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يجزيه خير الجزاء على ما قدم للإسلام والمسلمين.

المصادر والمراجع

  • محمود شكرى الألوسى. (2008). سيرة سلاطین الممالیک. دار صادر: بیروت.
  • عبد المحسین طھانى. (2006). سیف الدین قطز: حیاتھُ وأَحْوَالُھُ. دار المؤیِّد: دبی.
  • محیی الدین صبرى. (2004). مَعْرَکَةُ عین جالوت: نَصْرُ المُؤَمِنِینَ عَلَى التَّتَارِ. دار الفکر: دمشق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى