خالد بن الوليد: قائد الملوك وسيف الإسلام في معارك لا تنسى

خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي هو صحابي وقائد عسكري مسلم، وقد أطلق عليه الرسول لقب سيف الله المسلول.
ويشتهر خالد بن الوليد ببراعته العسكرية وقدرته الاستثنائية على التخطيط العسكري، وقاد جيوش المسلمين في حروب الردة وفتح العراق والشام خلال عهد الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر في فترة تمتد من عام 632 حتى 636.
ويعد من بين القادة العسكريين القلائل في التاريخ الذين لم يهزموا في معركة طوال حياتهم.
حيث لم يُهزَم في أكثر من مائة معركة أمام قوات متفوقة عدديًا من الإمبراطورية الرومانية البيزنطية والإمبراطورية الساسانية الفارسية وحلفائهم، بالإضافة إلى العديد من القبائل العربية الأخرى.
ويشتهر بانتصاراته الحاسمة في معارك اليمامة وأُلّيس والفراض، والتكتيكات التي استخدمها في معركتي الولجة واليرموك.
ولعب خالد بن الوليد دورًا هامًا في انتصار قريش على المسلمين في غزوة أحد، وكذلك شارك في صفوف الأحزاب في غزوة الخندق، قبل إسلامه.
ومع ذلك، اعتنق خالد الدين الإسلامي بعد صلح الحديبية، وشارك في حملات عديدة في عهد الرسول، أهمها غزوة مؤتة وفتح مكة.
وفي عام 638، وهو في ذروة نجاحاته العسكرية، قرر الخليفة عمر بن الخطاب عزله عن قيادة الجيوش، خوفًا من تكاثر شعبيته.
وبعد ذلك، انضم خالد بن الوليد إلى جيش الصحابي أبو عبيدة عامر بن الجراح كأحد مقدميه، وانتقل إلى حمص، حيث عاش لأقل من أربع سنوات قبل وفاته ودفن هناك.
نشأة خالد بن الوليد
تم وفقًا للعادة الشائعة لأشراف قريش إرسال خالد إلى الصحراء حيث يمكن للمرضعة تربيته ويكبر بصحة جيدة في هذا البيئة.
وعاد إلى والديه في سن الخامسة أو السادسة. خلال طفولته، أصابه الجدري بشكل خفيف، ولكن لاحظ الندبات الخفيفة على خده الأيسر.
وتعلم الفروسية مثل زملائه في الأشراف، ولكنه كان موهوبًا وماهرًا في هذه الرياضة منذ صغره، وتفوق على أقرانه فيها.
وكان شجاعًا وجريئًا وماهرًا في التحكم بالخيل والتحرك في المعارك، مما جعله من بين أفضل الفرسان في عصره.
ومدحه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال (نعم عبد الله خالد بن الوليد سيف من سيوف الله).
شكل خالد بن الوليد الحقيقي
تميز خالد بن الوليد بملامح حادة وشعر كثيف وطول قامة وبشرة حنطية، كما كان قوي البنية والجسد،
ويستشهد عن قوته الفائقة في معركة مؤتة، حيث كسرت تسعة أسياف بيده خلال القتال.
كنا كان خالد بن الوليد يشبه كثيراً عمر بن الخطاب، رضي الله عنه حتى إن الناس كانوا يخلطون بينهما.
ويتحدثون عن خالد باسم عمر بن الخطاب، وهذا يدل على الشبه الكبير بينهما في مظهرهما وتشابههما في مشية الجسم.
حياة خالد بن الوليد قبل اعتناقه الإسلام
قبل اعتناقه الإسلام، كان يتزعيم جيوش المشركين الذين يحاربون الرسول صلى الله عليه وسلم، وقاد معركتين شهيرتين، واحدة منها غزوة أحد.
وفي تلك المعركة، نجح في تحويل هزيمة جيش المشركين إلى نصر.
حيث استغل انشغال الرماة المسلمين بجمع الغنائم، وقاد هجوماً مع فرسانه على صفوف المسلمين من الخلف، وحاصرهم.
وتحولت هزيمة المشركين إلى نصر على المسلمين، وانقلبت المعركة.
وكانت المعركة الثانية التي شارك فيها خالد بن الوليد هي غزوة الخندق، حيث أرسل الله ريحاً عاصفةً تسببت في شتات جيوش المشركين، وحطمت دورهم وخيامهم، وفشلوا في عبور الخندق للوصول إلى المسلمين.
وشارك خالد بن الوليد وعمرو بن العاص في صفوف الأحزاب، وكان دورهم تأمين مؤخرة الجيش مع مائتي فارس خوفًا من ملاحقة المسلمين لهم.
وفي تلك الفترة، بدأ خالد بن الوليد في التفكير بالإسلام وسيدنا محمد الصادق الأمين، وفي السر الإلهي الذي يساند جيش محمد صلى الله عليه وسلم.
إسلامه
بعد أن أسلم الوليد بن الوليد بن المغيرة، أرسل إلى أخيه خالد بن الوليد رسالة تدعوه للاعتناق بالإسلام وتحثه على التفكير في الموت وما بعده.
وذكر له أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قال عنه “ما مثل خالد يجهل الإسلام، ولو كان جعل نكايته وحده مع المسلمين على المشركين لكان خيرًا له”.
وبفضل عقله الراجح، تأثر بهذه الرسالة، وقرر أن يسافر إلى المدينة المنورة ليعلن إسلامه.
وفي طريقه إلى المدينة المنورة، التقى بعمرو بن العاص، الذي كان هو الآخر مهاجرًا يسعى للاعتناق بالإسلام، وقررا السفر معًا.
وبفضل إرادتهما وإيمانهما، تمكنا من الوصول إلى المدينة المنورة والإعلان عن إسلامهما.
وفرح الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بهذه الأخبار، وقال “إن مكة قد ألقت إلينا أفلاذ كبدها”.
مكانته في الإسلام
على الرغم من تأخر إسلامه -رضي الله عنه-، إلا أنه حظي بمكانة كبيرة في التاريخ الإسلامي.
فقد تمكن من تدارك موقف المسلمين في غزوة مؤتة بعد مقتل القادة الثلاثة.
حيث أخذ الراية وقاتل ببأس حتى كسر تسعة سيوف بيده وخرج من المعركة بأقل الخسائر،
كما قام بتدمير الأصنام في يوم فتح مكة. ولقد شهدت حنين العديد من المواقف والبطولات له. وفي عهد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-
وتولى قتال المرتدين، بما فيهم مسيلمة الحنفي الشهير. ولقد أثّر بصورة كبيرة في قتال الروم والفرس.
وفي فتح دمشق، وكان يحمل في قلنسوته شعرًا من شعر رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ليكون بركة ونصرة له في جهاده.
بعض من معاركه وانتصاراته
غزوة مؤتة
قاد خالد بن الوليد عددًا من الغزوات خلال فترة حياة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، وحقق في غزوة مؤتة انتصارًا عظيمًا، حيث أظهر قدرات قيادية متميزة وشجاعة في المعركة.
اختار الرسول ثلاثة قادة من قادة المسلمين لتولي قيادة الجيش بالتتابع، وهم: زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة.
عند وصول الجيش إلى موقع معركة مؤتة، وجدوا أمامهم جيشًا ضخمًا يتألف من مائتي ألف مقاتل، نصفهم من الروم ونصفهم الآخر من الغساسنة.
تشاور المسلمون حول الموقف الحرج الذي واجهوه، واقترح بعضهم إرسال رسالة إلى الرسول الكريم ليطلبوا مساعدته، ولكن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه تمسك بدخول المعركة ونصحهم بالصبر والثبات.
استمر القتال لمدة ليلتين، وفيها استشهد القادة الثلاثة على التوالي، مما جعل المسلمين يواجهون وضعًا صعبًا.
فاختار المسلمون خالد بن الوليد قائداً لهم، واستمروا في المعركة حتى نهاية اليوم.
بعد ذلك، نقل خالد جيشه في الليل من ميمنة إلى الميسرة، ومن الميسرة إلى ميمنة، ووضع مقدمة الجيش في مؤخرة الجيش، ومؤخرة الجيش في مقدمة الجيش.
ثم أمر طائفةً بأن تثير الغبار وتزيد من الجلبة خلف الجيش حتى الصباح.
وفي الصباح، فوجئ جيش الروم والغساسنة بتغيير الأعلام والوجوه التي كانوا يواجهونها في اليوم السابق.
إضافة إلى الغبار والجلبة، فظنوا أنهم يواجهون مدداً جديدةً للمسلمين.
في هذا الوقت، أمر خالد بن الوليد جيشه بالانسحاب، وخشى الروم أن يتبعوهم خوفًا من أن الانسحاب يكون مكيدةً.
وبذلك، نجح في الحفاظ على ما بقي من فرسان جيشه قبل أن يبادوا إبادةً شاملةً.
وقد قاتل خالد بن الوليد بشجاعةٍ في تلك الغزوة، حيث تكسر في يده تسعة أسياف. وعند عودته إلى يثرب، وأشاد به محمد رسول الله وأطلق عليه لقب “سيف الله المسلول“.
فتح مكة
بعد مرور عدة أيام على فتح مكة، قاد خالد بن الوليد بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم وبصحبة عدد من الفرسان، حملة لتحطيم الأصنام التي كان يعبدها المشركون في الكعبة.
وقام بذلك باستخدام سيفه وقطع الصنم العُزى الذي كان يُعبدُه والده الوليد بن المغيرة.
معركة اليمامة
تعد معركة اليمامة التي شَنَّها خالد بن الوليد واحدة من أهم انتصاراته العظيمة، حيث نجح في هزيمة الجيش الضخم الذي أعدَّه مسيلمة بن تمامة الحنفي.
والذي اشتُهرَ فيما بعد باسم “مسيلمة الكذاب” بسبب ادَّعائه للنبوة.
كسر شوكة الفرس والروم
تمكن خالد بن الوليد من إنهاء سيطرة الإمبراطورية الرومانية على مناطق مثل الشام وفلسطين وشمال أفريقيا، وكذلك القضاء على دولة الفرس في غضون سبع سنوات فقط.
في العام الثاني عشر للهجرة، أي بعد وفاة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام بعام، وانتهاء مهمته في حروب الردة.
قاد القائد العظيم، خالد بن الوليد، جيش المسلمين إلى العراق. التقى خالد بن الوليد بجيوش فارس في ست عشرة معركة.
حيث حقق فيها انتصارات عظيمة بفضل مهارته في فنون القتال وإتقانه لها، وكذلك بفضل قيادته الحكيمة.
وعلى الرغم من أن جيوش المسلمين لم تتجاوز في بعض تلك المعارك عشر جيوش فقط.
إلا أنه كان ينبث في قلوب جنوده الإيمان بالله تعالى.
وفي إحدى المرات، أرسل خالد بن الوليد رسالة إلى قائد جيوش الفرس، الذي كان يدعى هرمز
وأخبره بأنه جاء بقوم يحبون الموت في سبيل الله تعالى، تماماً كما يحبون الحياة المؤقتة ومتعها الزائلة.
في إحدى المعارك، طلب قائد الفرس من قارن بن قريانس قبل بدء المعركة أن يخوض مبارزة مع خالد بن الوليد.
فوافق على ذلك. وانتهت المبارزة بمقتل قائد الفرس وانسحاب جيشه.
وحقق انتصارات عديدة، حيث هزم جيش الروم في موقعة دومة الجندل.
ثم توجه نحو الشام وخاض معركة فاصلة ضد الروم في موقعة اليرموك.
وقد بلغ عدد القتلى من الروم في تلك المعركة ثمانين ألفًا.
وفي ذلك الوقت، قال هرقل قائد الروم وداعًا للشام بعبارته الشهيرة المؤثرة “وداعًا يا شام، وداعًا ليس بعده من لقاء”.
ولكن الروم استمروا في الدفاع عن قلاعهم في مدينة قنسرين بالشام، ورفضوا الاستسلام لخالد بعد أن حاصر قلاعهم. فقال مقولته الشهيرة:
“لو كنتم في السحاب، لكان الله سبحانه وتعالى قادراً على حملنا إليكم، أو إنزالكم إلينا”
سيف الله المسلول: خالد بن الوليد
فقد كان إيمانه بالله سبحانه وتعالى عميقًا، ولقد نجح في اقتحام قلاع الروم بجيشه.
وتمكن من تحقيق النصر الباهر عليهم، وذلك بفضل إيمانه الراسخ وثقته الكبيرة بالله.
العزل من قيادة الجيوش
خشى عمر بن الخطاب أن يفتن الناس بخالد بن الوليد.
خاصة بعد أن سمع أن الناس، عندما يعلمون أن خالد هو قائد المعركة، يقولون “انتصرنا”.
لذلك، قرر عزله، حتى يعتمد الناس على الله تعالى، ويدركوا أن النصر يأتي من الله وحده.
حيث تم تعيين أبي عبيدة بن الجراح بديلاً لـ خالد بن الوليد، وعلى الرغم من شعبية خالد وحب الجيش له.
فإنه كان جندياً مخلصاً للإسلام، فأطاع الأمر على الفور، عندما وصلته رسالة من عمر بن الخطاب بإخطاره بعزله وتعيين أبي عبيدة بدلاً منه، قال خالد:
“ما دام عمر بن الخطاب قد أصبح خليفة المسلمين، فأنا لا شيء إلا جندي مطيع لخليفة الله في الأرض، ولا أعصي أمير المؤمنين، ولا أفسد وحدة المسلمين فافعل بي ما تراه مناسباً.
وقد نسى خالد بن الوليد إنجازاته العظيمة والانتصارات التي كانت لصالح المسلمين جميعًا، ولم تكن مقتصرة عليه فقط. وفي هذا الصدد، قال عمر بن الخطاب لخالد: “يا خالد، والله إنك كريم وإنك حبيب لديّ”
أقواله قبل وفاته
توفي في فراشه، وكان يتمنى الموت في سبيل الله.
وعندما كان يحتضر، قال: “شهدت الكثير من المعارك والحروب، ولم يتبقى في جسدي موضعٌ صغير إلا وتعرض لضربةٍ بسيفٍ أو رميةٍ بسهمٍ أو طعنةٍ برمحٍ والآن ها أنا أموت في فراشي، كما يموت البعير، فما نامت أعين الجبناء”.
وفاة خالد بن الوليد
توفي -رضي الله عنه- أثناء خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-. رحلت روحه وهو على فراش المرض بعد صراع طويل، وكان ذلك في العام الحادي والعشرين للهجرة. وقد بلغ ستين عاماً في حياته.
وقيل أن حكمة الله -عز وجل- أرادت ألا يستشهد في أي معركة، لأنه كان سيف الله المسلول، ولم يكن بإمكان أعداء الله أن يقتلوه.
ويتداول في مكان دفنه -رضي الله عنه- قولان:
الأول: يفيد بأنه توفي في المدينة المنورة ودفنه فيها.
والثاني يشير إلى وفاته في مدينة حمص بسوريا ودفنه فيها، ويعتبر هذا القول هو الأكثر شيوعًا بين العلماء والمؤرخين.
وتم ذكره أيضًا في كتاب “البداية والنهاية” لابن كثير -رحمه الله- ويتمتع مكان دفنه في حمص بوجود مشهده على باب المدينة.
لمعرفة المزيد عن خالد بن الوليد إضغط هنا