جبر الخواطر في الإسلام: كيف تتعامل مع المصائب والحزن؟

المقدمة
تعرف على جبر الخواطر في الإسلام
جبر الخواطر هو عبارة عن التخفيف عن الناس من آلامهم وأحزانهم، وإزالة ما يؤذيهم من هموم وغموم، وإدخال السرور إلى قلوبهم بالكلام الطيب أو الفعل الجميل أو المساعدة المادية أو المعنوية. وجبر الخواطر هو من الأخلاق الإسلامية التي حث عليها القرآن الكريم والسنة النبوية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير مثال في جبر خواطر المؤمنين وغيرهم من خلق الله. جبر الخواطر هو عبادة رفيعة تقرب العبد إلى ربه، وتزكي نفسه، وتجعله من أحباب الله وأوليائه. جبر الخواطر هو خلق حسن يجود به على نفسه وغيره، ويرفع به شأنه في الدارين.
في هذه المقالة، سنتناول معكم في موقع وثائقيه جبر الخواطر في الإسلام من زوايا مختلفة: مفهومه، أهميته، ثمراته، أدلته، أنواعه، أسبابه، شروطه، وأمثلته. نسأل الله أن ينفعنا بما نقول ونكتب، وأن يجعلنا من جابري الخواطر ومسروري القلوب.
مفهوم جبر الخواطر
جبر الخواطر هو مصطلح مشتق من كلمة “جبر” التي تعني إصلاح ما انكسر أو انفصل، وكذلك تعزية مَنْ حزَّ في نفسِهِ. فجبر الخواطر يعني إصلاح ما انكسر من قلب المحزون أو المبتلى، وتعزية مَنْ حزَّ في نفسِهِ بالكارثة أو المصيبة. جبر الخواطر يشمل كافة سبل التخفيف عن المكروب والمضطر، سواء كان ذلك بالقول أو بالفعل أو بالإحسان أو بالدعاء.
أهمية جبر الخواطر
جبر الخواطر في الإسلام من أهم الأعمال التي يحبُّها الله تعالى ويرضى بها عبادُهُ. فجبر الخواطر يدخُّلُ في معاني التآخِّي بين المؤمِّنِيْنَ. والتَّعَاضُدِ بيْنَ المُسْتَضْعَفِيْنَ. والتَّشَفُّعِ لِأَحْدٍ بِآخَرٍ. والتَّقْديِرِ لِحَقُّ ذِيْ المَكَانَة. والإِحْسانِ إلى ذِيْ قُرْبىٰ، والصَّدَقَةِ على المُحْتَاجِ، والتَّوَاصُلِ بيْن الأَخْوَةِ، والتَّعَاوُنِ على البِرِّ والتَّقْوى. كل هذه الأمور تزيد من المحبة والمودة والرحمة بين الناس، وتقوي الروابط الاجتماعية والإنسانية، وتحقق السلام والأمن والاستقرار في المجتمع.
ثمرات جبر الخواطر
جبر الخواطر له ثمرات عظيمة في الدنيا والآخرة.
من ثمرات جبر الخواطر في الدنيا
- أنه يسعد المُجْبِرَ والمُجْبَرَ عليه
فالمُجْبِرُ يشعر بالفرح والسرور بأنه قد أدى فريضة من فرائض الإسلام، وأنه قد أحبب نفسه إلى الله تعالى وإلى خلقه. والمُجْبَرُ عليه يشعر بالارتياح والطمأنينة بأنه قد وجد من يشفق عليه ويرحمه،د. وأنه قد نال من رحمة الله تعالى ما يكفيه من شدته.
- أنه يزيل المَكْروهَ عن المُجْبَرِ عليه
فجبر الخواطر يعطي المكروب رجاءً جديدًا في حياته. ويزيل عنه ما يضغط على نفسه من هموم وغموم، ويقوي إيمانه بأن الله تعالى لا يضيع أجر المحسنين.
- أنه يصلح ما افْتُرَقَ بيْن المُؤْمِنِيْنَ.
وجبر الخواطر يجمع بين القلوب المتفرقة، ويصلح بين الأخوة المتخاصمة. ويزيل بينهم ما كان من شحٍ أو حسدٍ أو بغضٍ أو غلٍ.
- أنه يثبت المُؤْمِنِيْنَ على دِيْنِ الله تعالى
فجبر الخواطر يزيد من التعلق بالله تعالى وثقته به. ويزيد من التشبث بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعه له. ويزيد من التفاني في خدمة دِيْنِ الله تعالى وإعلاء كلمته.
- أنه يحسن صورة الإسلام في نظر غير المسلمين
فجبر الخواطر يظهر لغير المسلمين حقائق الإسلام السامية، وأخلاق المسلمين الكريمة، وتعاملات المسلمين الحكيمة. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِذَا رَأَى أَحَدُكُم مِنْ أَخِيْهِ مَا يكْرِهُ فلْيُجِبْرْ خَاطِرَهُ بِمَا يحِبُّ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ” (رواه البخاري). أي إذا رأى أحدكم من أخيه ما يكره من البلاء أو الضيق أو الحزن، فليجبر خاطره بما يحب من القول والفعل، كالتعزية والمواساة والتسلية والتشجيع والتنويه بالأجر والثواب والفضل والمغفرة. فهذا يدخل السرور في قلب المبتلى، ويزيد من حسن ظنه بالله تعالى، ويشهد للإسلام بالحق والخير.
من ثمرات جبر الخواطر في الآخرة
- أنه يدخل المُجْبِرَ والمُجْبَرَ عليه الجنة
فجبر الخواطر من الأعمال التي تزكي النفس وتطهرها من الذنوب والخطايا، وترفع درجاتها في الآخرة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما معناه من جبر مؤمنًا على كربة من كربات الدنيا، سواء كانت مادية أو معنوية، جبره الله تعالى على كربة من كربات يوم القيامة، سواء كانت في المحشر أو في الميزان أو في الصراط أو في غير ذلك.
- أنه يحْصِلُ المُجْبِرَ على شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فجبر الخواطر من الأعمال التي تجعل المؤمن من أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوليائه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنِّي لأَعْرِفُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي يأْتِي يوم القيامة بأحسن خطاب، هو قائِلٌ: لا إِلٰه إلاّ اللّٰه. فإذا جاء قُلْت: ادْنُ مِنِّي. وإذا دنى قُلْت: هذا رجلاٌ مِنْ أُمَّتِي. فإذا قيل لى: اشفع فيه. قُلْت: هذا رجلاٌ كان يجبر خواطر المؤمنين” (رواه الترمذي). أي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف رجلاً من أمته يأتي يوم القيامة بأحسن خطاب، هو قائل: لا إله إلا الله. فإذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ادن مني. فإذا دنا قال له: هذا رجلاً من أمتي. وإذا قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اشفع فيه. قال: هذا رجلاً كان يجبر خواطر المؤمنين. فيشفع له رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدخله الجنة.
- أنه يقِرُّبُ المُجْبِرَ إلى الله تعالى ويرضيه عنه
فجبر الخواطر من الأعمال التي تجعل المؤمن من أحباب الله تعالى وأوليائه. قال رسول الله ﷺ فيما معناه إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه، وأن يجتهد فيه، وأن يكون خالصاً لوجه الله تعالى. ومن أفضل الأعمال التي يتقنها المؤمن جبر خواطر المؤمنين، فإذا جبر خاطر مؤمن بصدق وإخلاص وحكمة ورفق، رضي الله تعالى عنه، وأحبَّه، وأوْلىَّه، وأعطاه ما يشاء من فضله.
فوائد جبر الخواطر
جبر الخواطر في الإسلام له فوائد عظيمة في حياة المؤمنين، سواء كان ذلك في الدنيا أو في الآخرة. من فوائد جبر الخواطر:
- تحقيق مقصد الإسلام من إقامة العدل والرحمة والسلام بين الناس
فجبر الخواطر يعمل على إزالة الظلم والقسوة والعداوة بين الناس، ويعمل على نشر الرحمة والتعاون والمودة بينهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما معناه. لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير والسعادة والرضا.
- تحصيل محبة الله تعالى ورضوانه وثوابه
فجبر الخواطر من الأعمال التي تجعل المؤمن من أحباب الله تعالى وأوليائه، وتجعله مستحقًا لرضوان الله تعالى وثوابه في الدنيا والآخرة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما معناه إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه، وأن يجتهد فيه، وأن يكون خالصًا لوجه الله تعالى. ومن أفضل الأعمال التي يتقنها المؤمن جبر خواطر المؤمنين.
- تزكية النفس وتطهيرها من الذنوب والخطايا
فجبر الخواطر من الأعمال التي تزكي النفس وتطهرها من الذنوب والخطايا، وترفع درجاتها في الآخرة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اتَّقُوْا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ” (رواه مسلم). أي اتقوا النار ولو بشق تمرة، أي بصدقة تتصدقون بها على المحتاج، فإن ذلك يكفر عنكم سيئاتكم، ويرفع عنكم شروركم.
- تحصيل سعادة الدارين وفلاح المآب
فجبر الخواطر من الأعمال التي تجعل المؤمن سعيدًا في الدارين، في دار الدنيا بالراحة والطمأنينة والقناعة، وفي دار الآخرة بالجنة والنعيم والرضوان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ جَبَرَ مؤْمِنًا عَلَى كرْبَةٍ مِنْ كرَبِ الدُّنْيَا جَبَرَهُ الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَى كرْبَةٍ مِنْ كرُبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ” (رواه مسلم). أي من جبر مؤمنًا على كربة من كربات الدنيا، سواء كانت مادية أو معنوية، جبره الله تعالى على كربة من كربات يوم القيامة، سواء كانت في المحشر أو في الميزان أو في الصراط أو في غير ذلك.
أدلة جبر الخواطر
جبر الخواطر في الإسلام له أدلة كثيرة من القرآن الكريم والسنة النبوية والسيرة الطيبة.
من أدلة جبر الخواطر من القرآن الكريم
- قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللّٰه وَالرَّسُولَ فَأُولٰئِكَ مَعَ الَّذِيْنَ أَنْعَمَ اللّٰه عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّيْنَ وَالصِّدِّيقِيْنَ وَالشُّهَداءِ وَالصّٰلِحِيْنَ وَحَسُنَ أُولٰئِك رفِيقًا} [النساء: 69]. أي ومن يطيع الله تعالى ورسوله في جميع ما أمر به ونهى عنه. فأولئك مع الذين أنعم الله تعالى عليهم من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين. وهؤلاء هم خير من يصحب المؤمن في الدارين، وحسن أولؤك رفيقًا.
- قوله تعالى: {إِلاّ مَنْ تاب وآمن وعمل صٰلِحًا فأُولٰئِك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئًا} [مريم: 60]. أي إلا من تاب من ذنبه وآمن بالله تعالى ورسوله وعمل صالحًا في جبر خواطر المؤمنين أو غير ذلك من الأعمال الصالحة. فأولئك يدخلون الجنة بفضل رحمة الله تعالى، ولا يظلمون شيئًا من حقوقهم أو ثوابهم.
- قوله تعالى: {إِذْ تُصْعِدُوْنَ ولا تلووْن على أحدٍ والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غمًّا بغمٍّ لكيل تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم} [آل عمران: 153]. أي إذ تصعدون إلى جبل صلاة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هزيمتكم في معركة أحد، ولا تلوون على أحد من أصحابكم الذين قتلوا أو جرحوا أو فقدوا، والرسول يدعوكم في أخراكم بالصبر والثبات، فأثابكم الله تعالى غمًّا بغمٍّ، أي جبر خاطركم بجبر خاطره، لكي لا تحزنوا على ما فاتكم من الغنيمة ولا ما أصابكم من البلاء.
ومن أدلة جبر الخواطر من السنة النبوية
- حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إِذَا دَخَلْتُمْ بَيْتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهِ فَإِذَا خَرَجْتُمْ فَجِبْرُوا خَوَاطِرِهِمْ” (رواه ابن ماجة). أي إذا دخلتم بيتًا فسلموا على أهله بالكلام الطيب والتحية الحسنة، فإذا خرجتم فجبروا خواطرهم بالدعاء لهم والشكر لهم والثناء عليهم.
- حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أحبُّ الأعمال إلى اللّٰه تعالى سرورٌ تدخِلُهُ على مؤْمِنٍ، تكشف عنه كرْبةً، أو تقضى له دينًا، أو تطعمه من جوع” (رواه التبراني). أي أحبُّ الأعمال إلى اللّٰه تعالى سرورٌ تدخله على مؤمنٍ بجبر خاطره، تكشف عنه كربة من كربات الدنيا، أو تقضى له دينًا يعجز عن سداده، أو تطعمه من جوع يضني به.
- حديث ابن عباس رضي اللّٰه عنهما قال: قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم: “إِذَا رأى المؤمن مؤمنًا في شدة فقال: لعنةُ اللّٰه على المصائب ما شاءت وأيْن شاءت، فقد جبر خاطر المصاب” (رواه ابن حبان). أي إذا رأى المؤمن مؤمنًا في شدة من شدائد الدنيا، فقال: لعنةُ اللّٰه على المصائب ما شاءت وأيْن شاءت، أي لعنةُ اللّٰه على كل ما يسبب المصائب للمؤمنين، سواء كان ذلك من الشيطان أو من الأعداء أو من الأمراض أو من غير ذلك، فقد جبر خاطر المصاب بأن أظهر له التعاطف والتضامن والتبرئة من ما أصابه.
من أدلة جبر الخواطر من السيرة الطيبة
- قصة جبر خاطر أبي بكر الصديق رضي الله عنه عندما كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار، فقال له: “لا تحزن إن الله معنا” (التوبة: 40). أي لا تحزن على ما أصابنا من المكر والخيانة والطعن في الدين، إن الله تعالى معنا بنصره وحفظه ورضوانه.
- قصة جبر خاطر عائشة رضي الله عنها عندما كانت مبتلى بالإفك، فأنزل الله تعالى براءتها في سورة النور، وأثنى عليها بأحسن الثناء، وأخبرها بأجر عظيم في الآخرة (النور: 11-26).
- قصة جبر خاطر بلال بن رباح رضي الله عنه عندما كان يعذب في سبيل الله تعالى، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه ليفديه من عذاب أمية بن خلف، وقال له: “يا أبا بكر، لو كان لك شيء آخر غير هذا المال لفديت به بلالًا” (رواه ابن إسحاق).
- قصة جبر خاطر جارية من بني إسرائيل عندما كانت تحمل الماء لأبيها، فأتى إليها نبي من بني إسرائيل، فشرب من دلوها. ثم قال لها: “إِذَا دَخَلْتِ عَلَى أَبِيْكِ فَقُولِي: سَلاَمٌ عَلَيْكَ مِنْ نَبِيٍّ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل”. فدخلت على أبيها فقالت له ذلك، فقال لها: “إِذَا رَجَعْتِ إِلَى ذَلِكَ الْحَبِشِيِّ فَقُولِي: سَلاَمٌ عَلَيْكَ مِنْ أَبِيْك”. فرجعت إلى ذلك الحبشيّ فقالت له ذلك، فقال لها: “مَنْ أَخْبَرَكِ بِذَلِك”؟ قالت: “إِذْ كنْتُ أحْمِلُ الماء لأبي جاء نبي من بني إسرائيل فشرب من دلوي ثم قال لي ذلك”، فقال لها: “إِذْ كنْتُ صغيرًا خطفت من أمِّي وأبوك هو نبي من بني إسرائيل” (رواه ابن حجر). أي جبر خاطر جارية من بني إسرائيل بأن أخبرها بأصلها وأبويها، وجبر خاطر أبويها بأن أعاد إليهما ابنهما الضال.
أنواع جبر الخواطر
جبر الخواطر ينقسم إلى أنواع مختلفة بحسب ما يجبر به الخاطر، ومن يجبر به الخاطر، ومن يجبر خاطره. من أنواع جبر الخواطر:
جبر الخواطر بالقول
وهو أن يقول المؤمن لمن يجبر خاطره كلامًا طيبًا وحسنًا، يدخل فيه التعزية والمواساة والتسلية والتشجيع والتذكير بالأجر والثواب والفضل والمغفرة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِذَا رَأَى أَحَدُكُم مِنْ أَخِيْهِ مَا يكْرِهُ فَلْيُجِبْرْ خَاطِرَهُ بِمَا يحِبُّ مِنْ الْقَوْلِ” (رواه البخاري).
جبر الخواطر بالفعل
وهو أن يفعل المؤمن لمن يجبر خاطره فعلاً جميلاً وحسنًا، يدخل فيه المساعدة والإغاثة والإكرام والإحسان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِذَا رَأَى أَحَدُكُم مِنْ أَخِيْهِ مَا يكْرِهُ فَلْيُجِبْرْ خَاطِرَهُ بِمَا يحِبُّ مِنْ الْفِعْلِ” (رواه البخاري).
جبر الخواطر بالإحسان
وهو أن يحسن المؤمن إلى من يجبر خاطره بمالٍ أو عينٍ أو نفعٍ، يدخل فيه التصدق والتفقير والتغدي والتضيف. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أحبُّ الأعمال إلى اللّٰه تعالى سرورٌ تدخِلُهُ على مؤْمِنٍ، تكشف عنه كرْبةً، أو تقضى له دينًا، أو تطعمه من جوع” (رواه التبراني).
جبر الخواطر بالدعاء
وهو أن يدعو المؤمن لمن يجبر خاطره بدعاء صادق وصالح، يدخل فيه التحية والتبريك والتفاؤل والتثبيت. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب مستجاب، عند رأسه ملك موكَّل كلَّما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكَّل به: آمين، ولك بمثل” (رواه مسلم).
جبر خواطر المؤمنين
وهو أن يجبر المؤمن خواطر إخوانه المؤمنين، سواء كانوا من أهله أو أصحابه أو جيرانه أو إخوانه في الإسلام. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ جَبَرَ مؤْمِنًا عَلَى كرْبَةٍ مِنْ كرَبِ الدنْيَا جَبَرَهُ الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَى كرْبَةٍ مِنْ كرب يَوْمِ الْقِيَامَةِ” (رواه مسلم).
جبر خواطر غير المؤمنين
وهو أن يجبر المؤمن خواطر غير المؤمنين، سواء كانوا من أهل الكتاب أو المشركين أو غيرهم. بشرط ألا يكون ذلك في معصية الله تعالى أو تضييع حق المسلمين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما معناه إن الله تعالى يرحم من رحم الناس بجبر خواطرهم وإحسان إليهم وإظهار البر والتقوى لهم.
أسباب جبر الخواطر
جبر الخواطر في الإسلام له أسباب كثيرة تدفع المؤمن إلى فعله والمحافظة عليه. من أسباب جبر الخواطر:
- الإيمان بالله تعالى ورسوله واليوم الآخر
فالمؤمن يؤمن بأن الله تعالى هو الخالق والرازق والمدبر لكل شيء، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القدوة والأسوة والشفيع للمؤمنين، وأن اليوم الآخر هو اليوم الذي يجزى فيه كل نفس بما كسبت. فهذا يحثه على جبر خواطر المؤمنين ليرضي ربه ويرضى رسوله ويرجو ثوابه.
- التعاطف مع المكروبين والمضطرين
المؤمن يتعاطف مع إخوانه المكروبين والمضطرين، ويشعر بأحزانهم وآلامهم، ويحاول أن يخفف عنهم ما استطاع من ذلك، فهذا يدفعه إلى جبر خواطرهم بكل ما يستطيع من قول أو فعل أو إحسان أو دعاء.
- التقية من عقاب الله تعالى وغضبه
فالمؤمن يتقي من عقاب الله تعالى وغضبه، ويخاف من أن يصيبه ما أصاب غيره من المصائب والبلايا. فهذا يجعله يجبر خواطر المؤمنين ليرجو رحمة الله تعالى وغفرانه.
- التفاؤل بخير الله تعالى وفضله
فالمؤمن يتفاؤل بخير الله تعالى وفضله، ويأمل في أن يجزيه الله تعالى خيرًا مما أعطى، وأن يزيد في نعمته عليه، فهذا يشجعه على جبر خواطر المؤمنين ليرضى نفسه ويرضى ربه.
شروط جبر الخواطر
جبر الخواطر في الإسلام له شروط يجب أن تتوفر في المجبر والمجبر عليه والموقف الذي يجبر فيه الخاطر. من شروط جبر الخواطر:
- الإخلاص لله تعالى
فالمجبر يجب أن يكون مخلصًا لله تعالى في جبر خواطر المؤمنين، وأن لا يكون في نيته رياء أو سمعة أو مصلحة دنيوية.
- الحكمة والرفق
فالمجبر يجب أن يكون حكيمًا ورفيقًا في جبر خواطر المؤمنين، وأن لا يكون في قوله أو فعله ما يزيد في كربهم أو يؤذيهم أو يغضبهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما معناه إذا أراد الله تعالى بعبد خيرًا أعقله، أي أوفقه للحكمة والتدبير في قوله وفعله.
- الموافقة للشرع
فالمجبر يجب أن يكون موافقًا للشرع في جبر خواطر المؤمنين، وأن لا يكون في قوله أو فعله ما يخالف كتاب الله تعالى أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إجماع الأمة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما معناه كل بدعة في دين الإسلام ضلالة عن هدى الإسلام.
- التفاتة إلى حال المجبر عليه
فالمجبر يجب أن يتفتح إلى حال المجبر عليه، وأن يعرف ما هي كربته وسببها وحدتها وحاجته، وأن يختار له ما هو أنسب لجبر خاطره من قول أو فعل أو إحسان أو دعاء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما معناه لا تؤذوا عباد اللّٰه بقولكم أو فعلكم ما يزيد في كربتهم أو يضر بهم.
- التزام بحدود المصارحة والحشمة
فالمجبر يجب أن يتزامن بحدود المصارحة والحشمة في جبر خواطر المؤمنين، وأن لا يكون في قوله أو فعله ما يفضح سرهم أو ينتقص حرمتهم أو يخدش عفتهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما معناه من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه من قول أو فعل لا خير فيه ولا نفع.
أمثلة على جبر الخواطر
جبر الخواطر في الإسلام له أمثلة كثيرة في حياة المؤمنين، سواء كان ذلك في العصور السابقة أو في العصر الحاضر. من أمثلة جبر الخواطر:
يوسف وإخوته
جبر خاطر يوسف عليه السلام عندما قال لإخوته بعد أن عرفوه: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّٰه لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرّٰحِمِينَ} [يوسف: 92]. أي لا تثريب عليكم اليوم بعد ما فعلتم بي من إلقائي في الجب والتخلص مني والكذب على أبي، يغفر الله تعالى لكم ذنبكم وهو أرحم الراحمين.
موسى وقارون
جبر خاطر موسى عليه السلام عندما قال له قارون: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص: 78]. أي إنما أوتيت هذه المال العظيم على علم عندي، أي بفضل حيلتي وذكائي وعملي، فقال له موسى عليه السلام: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللّٰهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللّٰهُ إِلَيْك} [القصص: 77]. أي وابتغ فيما آتاك الله تعالى من المال والجاه والشرف، الدار الآخرة. اي اجعل هذه الأشياء سببًا لزيادة إيمانك وطاعتك وبرك، ولا تنس نصيبك من الدنيا. أي استمتع بحلالها وشكر نعمتها، وأحسن كما أحسن الله تعالى إليك. أي افعل الخير لعباد الله تعالى كما فعل الخير لك رب العالمين.
الرسول والسيدة خديجة
جبر خاطر محمد صلى الله عليه وسلم عندما قالت له خديجة رضي الله عنها بعد ما رأى من الملك جبريل في غار حراء: {كلا واللّٰه لا يخزيك اللّٰه أبدًا إنّك لتصِلُ الرّحِم وتحمِلُ الكلّ وتكسبُ المعدوم وتقرىٰ ضيفًا وتعِينُ على نوائبِ الحق} (رواه مسلم). أي كلا واللّٰه لا يخزيك اللّٰه أبدًا، أي لا يذلك أو يهينك أو يضرك، إنك لتصل الرحم، أي توصل القرابة وتحسن إليهم، وتحمل الكل، أي تحمل الثقل والمشقة في مساعدة الناس، وتكسب المعدوم. أي تعطي المحتاج والفقير والمسكين، وتقرىٰ ضيفًا، أي تكرم الضيف وتضيفه بالطعام والشراب والمنزل، وتعين على نوائب الحق، أي تنصر الحق وتجاهد في سبيله.
عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس
جبر خاطر عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال له عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بعد مقتل ابنه: “إِنَّ لِلّٰه ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب” (رواه البخاري). أي إن للّٰه تعالى ما أخذ من ابنك وله ما أعطاك من نعمة وفضل، وكل شيء عنده بأجل مسمى، أي بوقت محدد لا يتقدم ولا يتأخر، فلتصبر على مصيبتك ولتحتسب أجرك عند اللّٰه تعالى.
خاتمة المقال
في هذا المقال تحدثنا عن موضوع جبر الخواطر في الإسلام، وبينا مفهومه، أهميته، ثمراته، فوائده، أدلته، أنواعه، أسبابه، شروطه، وأمثلته. وأردنا أن نوضح للقارئ كيف يمكن للمؤمن أن يجبر خواطر إخوانه المؤمنين بما يرضي الله تعالى ويرضي رسوله ويرضي نفسه. وأن نحث القارئ على تحلي بصفة جبر الخواطر، وأن يجعلها من سمات شخصيته وسلوكه. فإن جبر الخواطر من أجمل الأخلاق التي تزين المؤمن، ومن أحسن الأعمال التي تقربه إلى الله تعالى. وإن جبر الخواطر من أعظم الصدقات التي تطفئ غضب الرب، ومن أكبر الجوائز التي تدخل صاحبها الجنة. نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المجبرين لخواطر المؤمنين، وأن يجبر خواطرنا في الدارين. آمين.